الأحد، أكتوبر 24، 2021

with نكهة


أمر طبعي !

وكل شيء على ما يرام، عندما تستيقظ الصبح على رابط في الواتساب يسوقك إلى تويتر لترى رجلا يتهكم على قناةٍ استضافت إنسانة كان كل إنجازها أنها قالت: with نكهة أو كما يحلو للبعض كتابتها وذ نكهة.

ثم بعد ذلك تساق في سيارة فخمة ويفرش لها البساط الأحمر ويحتفى بها، ويصورها القاصي والداني، وقد حسرت عن شعرها، وتبرجت للناظرين، في مشهد يطلبها أحدهم وهو يصورها أن تعيد الكلمة التي كانت بوابة نجاحها وحصدها المزيد من الشهرة، حتى وثقتها براءة اختراع لا يجوز لأحد استخدامها بلا إذن منها!

كل هذا وعيون المشاهد تلاحق هذه الصورة المنكوسة لهذه الحفاوة البالغة لما لا معنى له، في الحين الذي يهمش أهل الخبرات والكفاءات ولا يلتفت لهم وغيرها من الأمور التي لا تخفى على ذي لب.

وحقيقة اعتدتُ على انتقاد تكرر المواضيع المكررة ولذلك لا أريد أن أتحدث عن هذه النقطة ولا أن أحشر نفسي وأحشر القارئ الكريم في زاوية المقارنة، والمفاضلة لأنه لا وجه للمقارنة أصلا، ولأن الضرب في الميت حرام كما يقال، إذ يعرف عن أهل العقول أنهم يرتجون الخير ممن هو أهل له، ولا يطلبونه عند السفهاء أو أهل الشر والفساد، ولذلك سأعرض صفحا عن هذه الزاوية وسأحاول أن أتحدث عما نفث في رُوعي إزاء الحادثة بعد أن أذكر نفسي وأذكر قارئي الكريم أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة على تقديري وما زال المزيد من الناس يتعطشون لضربة الحظ التي خدمت فتاة وذ نكهة!

كم هو عدد الكلمات التي تسربت إليها مثل هذه الكلمة؟ كلمة قيلت في مسلسل، وأخرى رددتها مشهورة في لقاء، وثالثة حصلت في بث، أو مقابلة أو ما يسمى بـreaction أي رد فعل، وهي مشهورة بانجليزيتها بين الشباب أكثر من عربيتها، وهلم جرا.

ما استرعى اهتمامي حقيقة هو هذا الإنسان الذي يتقبل التفاهة ويبتلع أطنانها حتى تفسد ذائقته بازدحام التوافه في نفسه، وقد كان يمكنه أن يكون شيئا عظيما منصرفا عن هذه التفاهات، مستقلا برأيه ذا طموح وهمة عالية، كان بإمكانه أن يكون مفكرا ذا وعي عال يهزم به هذه الأشكال الطفيلية التي تنمو على نظرات الآخرين، وتتسلق على أكتاف المشاهدات لتثبت حضورها، بلا تفكير، ولا إنجاز، ولا حتى شيء يستحق التشييء! 

من جانب آخر أرى كيف انحسر جانب الكلمات التي تذهب مثلا ذا بال ينفع الناس ويجدون راحة في أنفسهم حين يتمثلون به، لتذهب الكلمات الهجينة مذهب المثل، بلا طعم بلا لون، وأصبحنا نستورد الأمثال من الثقافات الأخرى كما يستورد الطعام والشراب والثياب، وإذا ما نطقنا كلمة ذهبت في الناس كانت كلمة هجينة ممجوجة في السمع والنطق! 

إقرأ المزيد

الجمعة، سبتمبر 17، 2021

ماتت آمنة ..

 كانت تتسلط علي فكرة فقداني أو فقدان أحد ممن أتابعهم على تويتر، كنت أقول ماذا لو مات أحدهم أو مت أنا؟

كيف سأعرف أو كيف سيعرفون؟

كنت أتعجب ممن ينتشر خبر وفاتهم على الصفحة خاصة أولئك الذين لا نعرف لهم أقرباء، أو تواصلنا مربوط بهم وحدهم، حتى ماتت آمنة، ماتت آمنة بعد مرض استمر معها قرابة الشهر، يقولون له كورونا.

لكم كانت تسميته غريبة، وصوت حروفه لطيف يشعرك أنه طفل مدلل، لكن الذي نرى من آثاره عجائب لا تنقضي!

ماتت آمنة بعد دعوات رافقتها بالشفاء في كل فطر رمضاني، ماتت بعد أن تركت لحظاتها وكلماتها وأبياتها ملء أنظارنا، بعد أن أعادت تغريداتنا، وحفزتنا، وبادلتنا أحاديث المودة، وصبحت علينا بكلماتها الرقيقة.


بعد وفاتها بشهرين أقمنا لها محفلا في البيان رددنا فيه أشعارها، وشاركت كل من شاركت بمرثية لها، ثم تحدثت أختها التي تكبرها عنها وعن حبها لها وعن حرمانهما من التلاقي في الدنيا لمدة طويلة بسبب المقاطعة التي زاد كورونا أمدها.


رحمة الله عليها وبركاته .

إقرأ المزيد

الخميس، سبتمبر 16، 2021

صبرا






     لم تكن تلك المرة الأولى التي تخبرني فيها إحدى صديقاتي أن أحد أقاربها مريض، وأنه يشتكي الصداع والحمى, والصعوبة في التنفس، لقد كان هذا المرض يمر ولا يضر، ونرجو الشفاء لصاحبه وطول العافية ودوام الصحة، لكن هذه المرة كانت مختلفة، فالإصابة مصحوبة برؤيا لم تبقِ من القلق شيئا إلا وأتت عليه، فجعلت نفس صديقتي تتضعضع، وقلبها على مهب الريح.
    كم كنا نشاركها الحالات التي شفيت، ونكتم عنها أحوال المتوفين لا لشيء إلا لرفع معنوياتها وأن الذي عافاهم قادر على معافاة أخيها، يا لهذا الداء الذي كشر عن أنيابه، وافترس أخاها بعد مدة مكابدة طويلة نافت على الشهر، ليس هذا هو المحزن كلا ، لكن المحزن أنها طوال ذلك الشهر لم تره عيناها، ولم تسمع صوته أذناها، لكأنما كان ميتا قبل موته، فائتا قبل فوته، تتحسس أخباره من هنا وهناك، وتنتظر رشفات من حديث المستشفى تروي ظمأ قلبها إلى أخباره، وكيف حصل وأين وصل، وكنا كثيري التسآل عن حاله، وكانت تشاركنا بسعادة أخباره، وتطلب منا الدعاء الذي بذلناه ولكن الله يختار الخير لعباده.
آلمني خبر وفاته في أول أيام شوال، وحزنت على ذهابه وما تبع ذهابه من آثار، ما زالت تكابدها صديقتي حتى الآن.
    يموت الإنسان وقد يجد في الموت راحته، لكن الذين يشق عليهم فراقه يعانون بعده الأمرين، لا أتكلم عن الفراق فحسب، بل ما يتبع الفراق من مشاكل وهموم تجمع على الإنسان حسرة الفقد وتضاعفها في نفسه، كما يقول المثل: موت وخراب ديار.
     ليس الموت وحده ما يفزع ويؤلم، ولا الفراق، بل تخلي من كنت تظنهم أقرب الناس إليك عنك، وتنكرهم لك، وكأنك كنت تملك من أمرك شيئا، أو تستطيع تقديم المؤخر أو تأخير المقدم، تجد أحيانا ممن حولك معاملة لسانها: ليت لحقته! ليتك لم تبق بعده!
    صعب أن يشعر الإنسان أنه ثقيل على قلب أحد، أو أنه عالة يُتمنى له الزوال، أو كلّ يهد كاهل الآخرين، صعب أن تبحث عن السند فتجده مهترئا ركيكا، أو يميل هو بثقله عليك فيهدك بدل أن يسندك.
إقرأ المزيد

تلك مشكلتك ..




عندما تقرأ لإنسان قد امتلأ فخرًا وعزا بما لديه من الحقيقة وإن كانت معطلة فيجابه كلَّ ذلك ما في نفسك من إحباط فتلك مشكلتك، أو عندما تسمع بنجاح فلان من الناس بعد مثابرة متواصلة في طلاب ما يريد وتتذكر أنك كنت تجلس واضعا رجلا على رجل وتتمنى ما وصل إليه لكنك لم تصل فتلك مشكلتك، عندما ترى الناس يتسابقون نحو أحلامهم وأنت لا تمتلك حُلما حتى لتسعى نحوه فتلك مشكلتك، لم يكتفك الساعون نحو أمانيهم، ولا المهرولون في اقتناص الفرص والمثابرة على الأمر حتى يُفتح لهم الباب، ولم يحتمل أحد جريرة كسلك، ولم يكن لأحد الحق في منعك عن تحقيق مطلوبك، من منعك فثب عليه وخذ حقك، ومن آذاك وظلمك فافترسه بمخلبك ونابك، وكن ذئبا قبل أن تفترسك الذئاب.
لا تكن متسامحا إلى الحد الذي يجعلك مدعسة للمارين، ولا تكن سلة مهملات تحتضن بين جنباتها كل ما هو محزن ومؤذ، لا تتعود الحزن، ولا تستسلم لدواعي الكسل، غير نمط حياتك، واكسر روتينك الممل بكل ما يحظيك بابتسامة عريضة، ويرسم البسمة في وجه الآخرين.
أبشرك ستجد من يحبطك، ستسمع كلمات تعيدك إلى نقطة الصفر، بل ستسمع من يجردك من فضائلك، وقد تتهم بالنفاق والأشر والكبر وغيرها من الأوصاف القبيحة ظلما، فلا تلتفت، ولا تتعثر بأول مضايقة.
لست مثالية ولكنني واقعية، الكلمات ستجرحك وتحزنك فقد حزن سيد الخلق على ما هو أكبر من همك، فخفف الله عنه بقوله: (ولا يحزنك قولهم)، (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون)، فماذا أنت فاعلٌ بعد أن علمت أن التحزين واقع، لكنه من عمل الشيطان، وأن الاستجابة للحزن ممكنة، وكذلك استدفاعها بالله وتفريجه واجبة.
هذا هوا القرآن يتلى عليك ليل نهار، فإن لم تجد فيه سلواك، وتصلح به حياتك فتلك مشكلتك.
إقرأ المزيد

السبت، سبتمبر 11، 2021

بلوط وعلقم

 



في الإذاعة المدرسية وفي صباحها الباكر، كنتُ أقف خلف مكبر الصوت، أقرأ القرآن يوما، وأغني في آخر الإذاعة يوما آخر، ومرّ على هذا الحال عام كامل أسرح فيه وأمرح حتى أتى ذلك اليوم الذي التحقت فيه ابنتان جديدتان تكبراني بعام بالإذاعة المدرسيّة ، فكان أول ما صنعتا أن أحضرتا أشرطة لقارئ من القراء، وحالوا بيني وبين القراءة، فضلا عن أني ابتليت ذلك العام بالتأخر القسري عن الحضور بسبب انتظاري لإخوتي حتى ينتهوا من استعداداتهم الصباحية، فكنت أصل في أحسن الأحوال وقت اصطفاف الطوابير وبداية الإذاعة، أو أصل وقد دخلت الطالبات فصولهن.

كانت الابنتان الجديدتان واللتان يحلو لي أن أسميهما بلوط وعلقم تجتهدان في درئي عن مكبر الصوت بكل ما أوتيتا من قوة، وكلما حاولت أن أنشد قالتا أتينا بنشيد، وعندما أحاول القراءة يأتيان بقارئ جديد، وهكذا حتى منّ الله عليهما وتخرجا ذلك العام فصفا الجو لي ولله الحمد وعدتُ إلى الإذاعة عودة الغريب إلى وطنه.

إقرأ المزيد

ميلادي الـ ........




 بعد أيام سيعبر تاريخ ميلادي، وقد اتخذ الشيب مكانه في شعري وتآلف سواد الشعر مع بياضه، فلم يعد يستنكر وجوده ، الشيب وقار كما يقولون!

وما أزال أتذكر قول الشاعر:

راعه الشيب إذ نزل ... وكفاه من العذل

وانقضت مدة الصبا ... وانقضى اللهو والغزل

 قد لعمري دملته ... بخضاب فما اندمل

فابك للشيب إذ بدا  ... لا على الربع والطلل


وطالما شدني الشعر الذي يتحدث عن الشيب، وتنفذ في نفسي كلماته ما لا ينفذ غيرها، تستقر في قلبي كما تتسمر عيني على المرآة في مشهد حافل بالخوف من اندلاع الشيب في منظر مهيب يبدو لي أنه قبل موعده.

أذكر جيدا بداية تحالف الشيب مع شعري، أو بداية تخلي بعض الشعرات عن سوادها ورضاها بالبياض الذي أزال عنها مخايل الجمال إلى لون عجيب يلمع من غير ضوء، ويشرق في غير وقت إشراق، كنت أبحث بين الكتب عن حروف سوداء تروي غليل رسالة الماجستير، واستغل الشيب غفلتي بالحروف وأخذ يرسم خططه للغزو حتى انتبهت إليه فلم يستحيِ من انتباهي واستمر يخبط حيث شاء ويظهر هنا وهناك، حتى كانت آخر شعرة آنستها بعد موقف عصيب حصل لي، وهذه التجربة العملية جعلتني أكذب الدكتور الذي نفى تماما صلة الشيب وحدوثه بما يحدث للإنسان في حياته، فهل كان الطبيب يبحث عن الإثارة بهذا الخبر العجيب؟

لا علينا .. المهم أن أمرّ من هناك بسلامة وهدوء، ودون أن يوقدوا شموعًا في يوم ميلادي كما يحلو للبعض أن يصنع، ودون أن أحوّل ذلك اليوم إلى عيد أتفاخر به كل عام، وأنتظر الهدايا من الآخرين!

المهم أن أكون سعيدة، وتزداد ابتساماتي عاما فعام، تكبر معي كما أكبر أنا، يتجدد الفرح في نفسي كلما تذكرت الخبرات التي حملتها معي عبر الأيام..

خبرات ما كنت أحلم بها لا تتصل بالعمل فحسب، بل تتجاوزه لتصل إلى الحياة الاجتماعية، والناس، والشيب أيضا 😊.



إقرأ المزيد

الثلاثاء، سبتمبر 07، 2021

ورقة وقلم ..

 







كل شيء هنا غدا في المسودات، كلمات تلو الكلمات، لم أعد أحسن البوح، واختفى اندفاعي نحو الكتابة وشغفي بها...

تسألونني لماذا اختفيت؟!

ولمَ لم أعد أكتب كسابق عهدي؟

وأين أغط في سباتي العميق على أكوام السنين التي لم أنبس فيها ببنت شفه؟

أنا ههنا أحوم حول الحرف، وأكتب ثم أكتب ثم أكتب ثم أسلم ما كتبته لأدراج المسودات التي ما تلبث أن تذهب في مهب الريح أو في واد سحيق من النسيان.


أنا أكتب هنا على خوف، أخاف أن أترك القلم وأغلق هذه النافذة دون أن أسلمها للنشر، وأخاف كذلك أن أضعها بين أعين القراء الذين لا يزورون مدونتي فضلا عن أني لا أعرفهم ولا أدري بهم، ولا يمكنني التنبؤ بأفهامهم ناحيتي أو ناحية ما أكتب.


لا أحب أن أثير فضول القارئ المجهول، ولا أحبذ أن يقتنص الناس مكتوباتي للوصول إليّ أو تحليل شخصيتي، بل لا أسمح بذلك ولا أحترم من يحاول استنطاق حروفي أمامي، وليقرأ كل ما شاء كيف شاء.


كنت أحرص على توالي المنشورات وكتابة كل ما يخطر ببالي واكتناز أشعاري في هذه الزاوية، لكن الأمر غدا بالنسبة لي حساسا وخطيرا ومؤذيا حينما يقرأ القارئ الحرف ويحاول أن ينفذ من خلاله إليّ، لستُ أحلام مستغانمي، ولا غادة السمان، ولا مي زيادة ولا واحدة من أولئك الأديبات ولا فدوى طوقان ولا نازك الملائكة ولم أبلغ شهرة أقل مشهورة في زماننا هذا، ومع ذلك أجدني محشورة في زاوية الفضوليين الذين يتساءلون ماذا قصدت بكذا؟ وما معنى كذا؟

ألا يمكنكم أن تزدردوا ما أكتب دون أن تتحولوا إلى علامات استفهام لا تنقضي؟



مقصوصة إليها إن كانت تقرأ:

صديقتي عبر الأثير، الكائنة بذاكرتي، لم أنسَ أيامنا ولحظاتنا، ورسائلنا ولقاءاتنا، ولم أنسَ وعودك أيضا بالبقاء لجانبي، وعودك التي أجهضتها يد النسيان، أو ربما الخوف من المجهول..

دعواتي لك بالخير أينما حللت وكيفما كنتِ ، كوني في ودائع الله وحفظه!


إقرأ المزيد

الجمعة، أغسطس 14، 2020

أشتاق

أشتاق للحب والهوى يراودني….شعر عزيز امرزكيو – جريدة العربى اليوم ...


 لكل منا شوقٌ يخصه، يتحرك به قلبه، ويعاوده الحنين إليه مرة بعد أخرى..

نفحات الشوق التي تهب على القلوب غالبا ما تكون محملة باللذة والألم، وأنا أشتاقُ وأحس بتلك اللذة وذلك الألم في آن معا !

أشتاق إلى جدةٍ تقصُّ عليّ الحكايا بلسان حكمتها، وتردد نصيحتها بعين الرجاحة، وتكرر عليّ عيب و "خزوة" وافعلي ولا تفعلي بين الفينة والأخرى، جدة تقف إلى جانبي وأنا أغسل الصحون وترشدني إلى الحفاظ على الماء، وتردد علي حديث: "لا تسرف ولو كنت على نهر جار" ، جدة رغم لومها إلا أنها خرّجت وربت بنصحها, وفعلها وأدبت بحديثها، أشتاق إلى جدة ترد على سماعة الهاتف وتردد بصوتها المحمل بخشونة الأيام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تلوّن صوتها بها بنغمة صارت علامة عليها، يمكنني أن أستمع صوتها في أذن ذاكرتي الآن، وأحنّ إلى جدةٍ تلحّ في السؤال عما يجب فعله لتطمئن أن كل شيء على ما يرام!

أشتاق إلى جدة تقصّ عليّ حكايا الأولين، وتنشر ما طوي من صفحات خيالي ومشاهد الماضي التي لم تلتقطها عين الكاميرا، ولكن عين الخيال مع براعة الوصف تصل إلى أدق التفاصيل من تلك الحكايا، وتلتقط ما يمكن التقاطه مع مزج الخيال الذي يضفي على الصورة بهجة تنبع من عينيّ جدتي ! 

قصة "الفخيسوس والذرّة" التي تجللتها غلائل النسيان، وقصة "العكنبر والعكنبرة" التي غابت وضاعت وطويت في مجاهل الطفولة، وقصة القطة الجنيّة التي يسمونها: "حنّة" ، قصة كنت أستمع إليها من جدتي أم أبي ثم أعاود طلبها من جدتي أم أمي فأسمعها بالضبط نفسه والمحاكاة نفسها، ولغة الجسد نفسها، مما يدل على براعة في النقل وقوة في تأثير القاصّ الأول...

وحين يتسلل الملل إليّ تمسك إحداهما بيدي وتضرب بكفها على كفي ضربا متتاليا وهي تغنّي: طباخة يا طباخة، عيشة خميرة الحناقة، والقعيد والناقة، ثم تمسك أصباعي الأول فتقول: هذا لمن؟ أو لهومن؟ فأختار بصوتي الطفولي: ماما ثم تقول بعد أن تمسك الأصبع الأخرى وهذي لمن؟ فأقول: بابا وهكذا أعدد المقربين على عدد أصابعي فإذا انتهت الأصابع الخمسة، جعلت سبابتها والوسطى كالأرجل تسير على ذراعي حتى تدغدغني في إبطي.

أو تضعني في عمر أصغر على بطن قدميها وقد افترشت الأرض لترفعني عليها عاليا وهي تقول: وارخيمة، والناس نيمة وأبرار قيمة 😄 ثم تنزلني بتكتيك وترتيب حتى أهبط إلى الأرض بسلام.

أشتاق إلى تلك الأيام، أشتاق لعودة للوراء تزيل ليالي التفكير، وغرابيب الهم، وتعمل حوافز التفكير والخيال، أشتاق لجدتيَّ، جدتي التي أودعناها بطن الثرى رحمها الله، وقد فقدتُ حضورها المكتمل بعد أن فقدت قدرتها على الكلام بجلطات أودت بطريقة كلامها، كانت جدتي ذكيّة نابهة خفيفة الظل تعرف كيف ترد ومتى ترد، قوية تحكي عنها جدتي الأخرى وتذكر أوصافها في الطفولة، وكيف كانت قوية تقود ولا تقاد، وأحكي أنا على قلبها الأبيض وطيبتها وكرمها، وقد بقيت متمتعة بذكائها وقوة ملاحظتها رغم ما أصابها من مرض حتى باغتها مرض الموت وغابت ولم تعد إلينا، جدتي التي لم أر فيها الحرص الذي يصاب به الإنسان عندما يكبر، بل كانت زاهدة في أثمن أشيائها، رحمة الله عليها وبركاته، وجدتي الأخرى التي نسأل الله أن يمتعنا بها وأن يعيد لها صحتها وذاكرتها، فقد أصابها الخرف، ولم تعد كما كانت حكيمة أريبة تقدر الأمور بمقاديرها، كانت تحسن الطبخ والنفخ، وتصنع لنا حليبا أشرب في دفئه السعادة وفي رائحة زنجبيله وهيله الهناء، أما الآن فهي كالأطفال 😢 لا تحسن تصريف أمورها فكيف بأمور غيرها ؟

ولا إخال العودة لتلك الذكريات ممكنة، ولا استعادة الصحة، ولكن ننتظر الرجوع إلى الله ليعود كل ما فقدناه ومن فقدناه 💔




إقرأ المزيد

الخميس، مايو 14، 2020

شكاية بلا نكاية!

الدنيا دار ابتلاء وامتحان

في البداية وقبل انطلاقي أنبه على أن لكل شكوى استثناءات لا تنطبق عليها القاعدة، وفي كل زمان ثلة أو قليل من الأخيار، وكذلك كل مكان!
وإليكم الشكوى:

جرّبتُ أن أكون معلمة، وكانت المواقف المحرجة تتحاماني حتى استباحت حمايَ هذا الفصل، ولم أجرب قط وقاحة كوقاحة بعض الطالبات هذا الفصل!
إحداهُن ليس لها عندي درجة نشاط، فطلبتُ أن تتواصل معي عبر البريد المخصص لذلك، وأرسلت لها قائمة أسئلة كي تتعدل درجتها، فحلت الأسئلة (غير مشكورة) وأرسلتها!
وكان علي أن أتخطى مرحلة الاستيثاق وأرصد الدرجة التي كانت ستكون 9 من 10 بسبب خطأ في حلها ، ولكني آثرتُ أن ألقنها درسًا إن كانت غاشة، أو أبرئها أمام ظنوني السيئة!
ولكنها لقنتني درسًا عجبًا ولم تكتفِ بذلك حتى علمتني الدرس عن طريق الواسطة بيننا لتثبت لي صحة وجهتها، وسلامة وُكدها، وإنا لله وإنا إليه راجعون!
فما إن استفتحتُ معها النقاش حتى بدت منها كُلاها وحتى سامها كلُّ مُفلسِ، ولما أفلست ورأت أنها قد ضلت قالت: والله يا أستاذة هذا الواجب أرهقني ، وذهب بي كل مذهب، وأخذني كل مأخذ، فما ذقت النوم ليلة كاملة أبحث عن إجابات لهذا الواجب الصعب المراس!
قلت لها أنت الآن حللتِ هذا الواجب فأفهميني -بارك الله مسعاكِ- قصدك بقولك: (دنسا) هذه الكلمة التي أظنها (والظن غالب اليقين) خطأ مطبعيا ! وبادرتها بطلب قراءة الجملة البديعة! ويا ليتني لم أفعل! فقد انحسر غطاءُ سوأتها أمامي، وتكشف لي جهلها ! وعندها طفلة تشغّب علينا اللقاء، وتصوّت، وأنا أطالبها بالهدوء حتى أفهم عنها أو تفهم عني ! وها هي ذي الجملة التي أجابت بها في مسألة في الفصل والوصل فصل الله شياطينها، ووصلهم بجهنم وبئس المصير ! 
(وهو أن سبق جملة بجملتين يصح عطفها على الأولى لوجود مناسبة ولكن في عطفها على الثانية فساد في المعنى فيترك العطف هذه المرة دنسا لتوهم أنه معطوف على الثانية).
سألتُها -ويا ليتني لم أفعل- أن تقرأ فشرعت في القراءة التي أعجمت كل مبين، وأدخلتني في عالم الجن والشياطين!
قلت لها ما معنى دنسًا؟ وبدأت الاعترافات تتكشف شيئا فشيئا! قالت: والله يا أستاذة أختي حلت معي الواجب! وحلت لي بعض الأسئلة، وبقيت معها البارحة أحل. 
قلت لها: يعني أنت تعترفين أنك لم تحلي هذا الواجب بل لا تفقهين فيه شيئا! ثم ما دخلي بأختك الكريمة؟ السؤال لك الآن ما معنى (دنسا)؟
وكانت عفا الله عنها تقرأ كلمة (تَوَهُّم) هكذا (تَوِّهم) التي تعني للتو، قلت لها توّهم هذي ليست هي التي تعرفينها في العامية اقرئي بشكل صحيح!
ثم عدنا إلى (دنسا) قلت لها: لا تعرفين معنى الدنس! ألا تعرفين في الدعاء: ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؟ الدنس النجاسة والقذارة والوسخ!
قلت لها ما علاقة كلمة دنسا الآن؟! يبدو لي أنها خطأ في النقل.
قالت: أنا بحثت عن الإجابة في النت ووجدت هذه ، أنا وأختي بحثنا ! قلت طيب ألم تفكري في علاقة هذه الكلمة بما يجاورها ؟ ما علاقة الدنس هنا؟ لم أجد جوابا، قلت لها الصحيح أنها (دفعًا) عدليها في ملفك! قالت: وأعيد إرسالها لك؟ قلت: لا احتفظي بها لنفسك! 
قالت يا أستاذة - ويا ليتها لم تقل- : دنسا معناها فساد يعني فساد توهم .. قلت لها: أرجوك لا تتابعي هذا التخريج إنه غير صالح! الكلمة ليس لها توجيه غير أنها خطأ في النقل والصحيح دفعا, فتظاهرت بأنها اقتنعت، ثم عزت تأخر فهمها إلى الظروف والواجبات وهلم جرا من قائمة الأعذار التي لا تنتهي، ثم راجعت معها بقية الأسئلة، التي كان منها قول لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب 
يتآكلون مغالة وخيانة ويعاب قائلهم وإن لم يشغبِ
كان المطلوب شرح البيتين وذكر سبب الفصل فيما فصل من الجمل، سألتها عن معنى خلف، وأترك لك أيها القارئ تصور المعنى الذي تلقيتُهُ منها ! وأنهيت اللقاء.
وبعد أن انخمدت عواصف نفسي، وتناسيت ذلك العار والشين، أعادت عفا الله عنها توجيهها لكلمة (دنسا) مرة أخرى، وطلبت من رئيسة المجموعة وهي الواسطة بيننا عبر الواتس طلبت منها إرسالها لي! قلت لها: قولي لها ناقشناها بما فيه الكفاية فلا تعد مرة أخرى! 
وليت أني أتوب من تقحّمي مجال الإفادة للبليد الذي لا يريد! لا بل زدت على نفسي أن وجهت أسئلة أخرى في مادة أخرى لإحدى الطالبات وكانت الدرجة من 80 كما هو مقرر لهذا الفصل الملئ بالمفاجآت، وأعطيتها أسئلة وقلت لها: سلميه في الموعد الفلاني وابذلي وسعك في البحث والتنسيق وفقك الله!
وجاءت بواجب توجستُ منه خيفة، لا لأن به طلاسم سحر، ولا لأنه منحرف الفكر، وإنما كانت الإجابات مرتبة تشرح الخاطر، وهذا ما لا يناسب مستواها أبدا،ولما رأيتُ أنها أنقصت المراجع تحينت الفرصة وجعلت ذلك نافذتي للنقاش وقررت أن أسمع منها الإجابات وأستفهم منها عن بعض الحلول، وليتني لم أفعل! وليتني ما اقتنصت تلك النافذة، فلم أزد على أن آذيتُ نفسي، وأثرتُ حفيظتي، فما إن سألتُها عن المراجع حتى تجلت خيوط الحقيقة ، بل شمسها على لسانها، وقالت لي: للحق أختي حلت هذا الواجب! قلت لها: إذن نادي أختك أعطِها الدرجة بعد مناقشتها!
قالت: يا أستاذة لا تصعبيها علي! 
وبعد شد وجذب اتفقت معها على أن ألتقيها وقتًا آخر تكون فيه قد فهمت الإجابات واستعدت لأسئلتي مع كتابة المراجع التي عادت إليها ! (عادت إليها أختها )!
وفي الأجل المسمى التقينا، ولم تجب إلا عن سؤال واحد بعد لأي وتقريب وتفهيم وترقيع وتوضيح وتبيين وتسفير وتجلية وتلميح وتصريح هاتوا المعجم ......... 
وبعد لأيٍ وجهد وكد وتعب كأنه نذرٌ يُستخرجُ من بخيل صببتُ عليها جام نصائح وثرثرات حتى أشفقت عليها مني، وقطعتُ كلامي وأنا أرى الخرق في القربة التي كنت أنفخ فيها، وأنهيت اللقاء!
لم تنتهِ الأزمة بعد فهذان نموذجان يمكن من خلالهما رصد المستوى العام للمخاطبين، وأي بلاغة سيطابق بها الكلام مقتضى الحال في مثل هذا الحال؟!
كان مفروضَا علينا هذا الفصل أن نعرض درجات أعمال السنة أمام الطالبات وذلك لسبب وهو: اتخاذ الطالبة القرار هل تكمل المادة أو تنسحب منها، لعلها تحقق طموحها في المرات القادمة! ولكن هيهات العقيق ومن به! وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ بدأ تهاطل الرسائل على إيميلي من كل حدب وصوب، وخرجت الثعابين من جحورها، حتى تعرفت على طالبات لم أتشرف بهن إلا وقت التحضير!
منهن من تسأل عن كل شاردة ووارة في الدرجات، ومنهن من تتسافه وتتظلم، وتدعي أني بخستُها حقها، وواحدة تستجدي رفع الدرجات، وأخرى تقترح عليّ طريقة أخرى في حساب الدرجات، ورئيسات المجموعات ينقلن لي اقتراحات، ومظلوميات، ثم تعاظم الأمر حتى بلغني أن إحداهن اشتكت عليّ وأني ضيعتُ درجاتها، وفي خضم تلك الشكوى نقلت رسائل زميلاتها في صور كان من ضمنها صاحبة الدنس والتوهم التي بدأتُ بها الشكاية تقول فيها: والله إنها يوم تناقشني ما تدري عن الدنيا بس بستر عليه! والحقيقة لولا أنها سترت عليّ لكنتُ في خبر كان!
فصار إظهار الدرجة وبالا علينا كالنار ما نخمدها في طرف إلا واشتعلت في آخر، وأشدهن على قلبي وقعا تلك التي رُصدت لها الدرجة 79 من 80 فكانت تتزلف لي وتستجدي تلك الدرجة، وكأنها عطية! ومن الظريف أني كنت أرد على من تقول: أعطيتيني كذا وكذا، أقول لها لم أعطك شيئا إنما هي درجاتك أحصيتها لك، وهذا جهدك وبمعونة ومساعدات فارضي بما قُسم لك! وهكذا حتى صارت الدرجات توازي الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون!
وابتُليتُ بإحداهن لم تجد وسيلة في التفاهم معي إلا أن تذهب لرئيستي وتقول لها إنها لا ترغب في الاختبار وإنها تريد مضاعفة الدرجة، وإنني وإنني، ثم بعد هذه الشكوى المشحونة بالفِرى التي من ضمنها أني أتيت لهم بأسئلة من خارج الكتاب، جاءتني على البريد وأرسلت تعترض على الاختبار وأنها تريد مضاعفة الدرجة، قلت لها وأنا أكظم غيظي: ولا يهمك لك ما أردتِ، وضوعفت درجتها ولم تختبر.
وأخرى تحاول إغرائي بمعسول الكلام، وتستغل موسم شهر رمضان المبارك لتستدر عاطفتي وكرمي (لأن الدرجات صدقات) فتقول لي: نحن على مشارف رمضان، شهر كريم وأنت كريمة ونحن نستاهل! لا والله وإني لكريمة بنت كرام! ولكنكم لا تستأهلون!
وجاء المعذرون وكان لهم نصيبٌ من هذه المعركة، منهن من تطلب تمرينًا أو نشاطا تقوم به فتعفي آثار إهمالها السيئة، وتمسح عار معدلها بطيبتي وتسامحي واستدرار رحمتي! ولا حول ولا قوة إلا بالله! 
ولم أزل أعالج أمواج المعترضات والمستفسرات، والمتهمات حتى صفا الجوّ أوائل شهر رمضان وهدأت الأصوات، فكأن الشهر أضفى عليهن شيئا من الهدوء، أو لربما شغلتهن الامتحانات والتكليفات، ثم حان موعد اختبارهن، وتصافينا باختبار تحسيني.
إقرأ المزيد

الخميس، فبراير 27، 2020

تأكيد المدح بما يشبه الذم 😁

نتيجة بحث الصور عن قاعات الجامعة

لم أجد تمهيدا لدرسي أجمل من أن أستخدم الأسلوب نفسه لجذب الانتباه وترسيخ المعلومة، فأخذت أثني عليهن بعد حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقلت أنتن طالبات مجتهدات مجدات صبورات لكنكن ملتزمات بالوقت والحضور، فرأيت في أعينهن استغرابا، ثم سألتهن ما بكن هكذا مبهوتات؟ قالت إحداهن: خشيت أن تفسدي الثناء بعد لكن، ولكن الحمد لله، قلت لهن: تفاجأتُنّ؟ وظننتن أني سأبدأ في اللوم والعتاب بعد لكن؟ قلن: نعم، قلت وهذا هو درسنا لهذا اليوم، تأكيد المدح بما يشبه الذم!
لم أنسَ هذه الدهشة ولا تلك النظرات والضحكات التي عقبت وقوعهن في فخ تأكيد المدح بما يشبه الذم، وقررت أن أكرر الفعل ذاته في المحاضرة التي تليها ويا ليتني لم أقرر ذلك، فقد جاء الاستفتاح باهتًا وواجهتُ بنات "واثقات بأنفسهن" حيث لم يخطر ببالهن أنني سأعقب الذم بمدح، وزاد الطين بلة توقيت المحاضرة الغثيث! ولم أستفق إلا وإحداهن تقول: نعم يا بنات توقعنا توقعنا أن يأتينا الذم بعد المدح، يا "هُبل" هذا درس اليوم!
إقرأ المزيد