الخميس، مايو 14، 2020

شكاية بلا نكاية!

الدنيا دار ابتلاء وامتحان

في البداية وقبل انطلاقي أنبه على أن لكل شكوى استثناءات لا تنطبق عليها القاعدة، وفي كل زمان ثلة أو قليل من الأخيار، وكذلك كل مكان!
وإليكم الشكوى:

جرّبتُ أن أكون معلمة، وكانت المواقف المحرجة تتحاماني حتى استباحت حمايَ هذا الفصل، ولم أجرب قط وقاحة كوقاحة بعض الطالبات هذا الفصل!
إحداهُن ليس لها عندي درجة نشاط، فطلبتُ أن تتواصل معي عبر البريد المخصص لذلك، وأرسلت لها قائمة أسئلة كي تتعدل درجتها، فحلت الأسئلة (غير مشكورة) وأرسلتها!
وكان علي أن أتخطى مرحلة الاستيثاق وأرصد الدرجة التي كانت ستكون 9 من 10 بسبب خطأ في حلها ، ولكني آثرتُ أن ألقنها درسًا إن كانت غاشة، أو أبرئها أمام ظنوني السيئة!
ولكنها لقنتني درسًا عجبًا ولم تكتفِ بذلك حتى علمتني الدرس عن طريق الواسطة بيننا لتثبت لي صحة وجهتها، وسلامة وُكدها، وإنا لله وإنا إليه راجعون!
فما إن استفتحتُ معها النقاش حتى بدت منها كُلاها وحتى سامها كلُّ مُفلسِ، ولما أفلست ورأت أنها قد ضلت قالت: والله يا أستاذة هذا الواجب أرهقني ، وذهب بي كل مذهب، وأخذني كل مأخذ، فما ذقت النوم ليلة كاملة أبحث عن إجابات لهذا الواجب الصعب المراس!
قلت لها أنت الآن حللتِ هذا الواجب فأفهميني -بارك الله مسعاكِ- قصدك بقولك: (دنسا) هذه الكلمة التي أظنها (والظن غالب اليقين) خطأ مطبعيا ! وبادرتها بطلب قراءة الجملة البديعة! ويا ليتني لم أفعل! فقد انحسر غطاءُ سوأتها أمامي، وتكشف لي جهلها ! وعندها طفلة تشغّب علينا اللقاء، وتصوّت، وأنا أطالبها بالهدوء حتى أفهم عنها أو تفهم عني ! وها هي ذي الجملة التي أجابت بها في مسألة في الفصل والوصل فصل الله شياطينها، ووصلهم بجهنم وبئس المصير ! 
(وهو أن سبق جملة بجملتين يصح عطفها على الأولى لوجود مناسبة ولكن في عطفها على الثانية فساد في المعنى فيترك العطف هذه المرة دنسا لتوهم أنه معطوف على الثانية).
سألتُها -ويا ليتني لم أفعل- أن تقرأ فشرعت في القراءة التي أعجمت كل مبين، وأدخلتني في عالم الجن والشياطين!
قلت لها ما معنى دنسًا؟ وبدأت الاعترافات تتكشف شيئا فشيئا! قالت: والله يا أستاذة أختي حلت معي الواجب! وحلت لي بعض الأسئلة، وبقيت معها البارحة أحل. 
قلت لها: يعني أنت تعترفين أنك لم تحلي هذا الواجب بل لا تفقهين فيه شيئا! ثم ما دخلي بأختك الكريمة؟ السؤال لك الآن ما معنى (دنسا)؟
وكانت عفا الله عنها تقرأ كلمة (تَوَهُّم) هكذا (تَوِّهم) التي تعني للتو، قلت لها توّهم هذي ليست هي التي تعرفينها في العامية اقرئي بشكل صحيح!
ثم عدنا إلى (دنسا) قلت لها: لا تعرفين معنى الدنس! ألا تعرفين في الدعاء: ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؟ الدنس النجاسة والقذارة والوسخ!
قلت لها ما علاقة كلمة دنسا الآن؟! يبدو لي أنها خطأ في النقل.
قالت: أنا بحثت عن الإجابة في النت ووجدت هذه ، أنا وأختي بحثنا ! قلت طيب ألم تفكري في علاقة هذه الكلمة بما يجاورها ؟ ما علاقة الدنس هنا؟ لم أجد جوابا، قلت لها الصحيح أنها (دفعًا) عدليها في ملفك! قالت: وأعيد إرسالها لك؟ قلت: لا احتفظي بها لنفسك! 
قالت يا أستاذة - ويا ليتها لم تقل- : دنسا معناها فساد يعني فساد توهم .. قلت لها: أرجوك لا تتابعي هذا التخريج إنه غير صالح! الكلمة ليس لها توجيه غير أنها خطأ في النقل والصحيح دفعا, فتظاهرت بأنها اقتنعت، ثم عزت تأخر فهمها إلى الظروف والواجبات وهلم جرا من قائمة الأعذار التي لا تنتهي، ثم راجعت معها بقية الأسئلة، التي كان منها قول لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب 
يتآكلون مغالة وخيانة ويعاب قائلهم وإن لم يشغبِ
كان المطلوب شرح البيتين وذكر سبب الفصل فيما فصل من الجمل، سألتها عن معنى خلف، وأترك لك أيها القارئ تصور المعنى الذي تلقيتُهُ منها ! وأنهيت اللقاء.
وبعد أن انخمدت عواصف نفسي، وتناسيت ذلك العار والشين، أعادت عفا الله عنها توجيهها لكلمة (دنسا) مرة أخرى، وطلبت من رئيسة المجموعة وهي الواسطة بيننا عبر الواتس طلبت منها إرسالها لي! قلت لها: قولي لها ناقشناها بما فيه الكفاية فلا تعد مرة أخرى! 
وليت أني أتوب من تقحّمي مجال الإفادة للبليد الذي لا يريد! لا بل زدت على نفسي أن وجهت أسئلة أخرى في مادة أخرى لإحدى الطالبات وكانت الدرجة من 80 كما هو مقرر لهذا الفصل الملئ بالمفاجآت، وأعطيتها أسئلة وقلت لها: سلميه في الموعد الفلاني وابذلي وسعك في البحث والتنسيق وفقك الله!
وجاءت بواجب توجستُ منه خيفة، لا لأن به طلاسم سحر، ولا لأنه منحرف الفكر، وإنما كانت الإجابات مرتبة تشرح الخاطر، وهذا ما لا يناسب مستواها أبدا،ولما رأيتُ أنها أنقصت المراجع تحينت الفرصة وجعلت ذلك نافذتي للنقاش وقررت أن أسمع منها الإجابات وأستفهم منها عن بعض الحلول، وليتني لم أفعل! وليتني ما اقتنصت تلك النافذة، فلم أزد على أن آذيتُ نفسي، وأثرتُ حفيظتي، فما إن سألتُها عن المراجع حتى تجلت خيوط الحقيقة ، بل شمسها على لسانها، وقالت لي: للحق أختي حلت هذا الواجب! قلت لها: إذن نادي أختك أعطِها الدرجة بعد مناقشتها!
قالت: يا أستاذة لا تصعبيها علي! 
وبعد شد وجذب اتفقت معها على أن ألتقيها وقتًا آخر تكون فيه قد فهمت الإجابات واستعدت لأسئلتي مع كتابة المراجع التي عادت إليها ! (عادت إليها أختها )!
وفي الأجل المسمى التقينا، ولم تجب إلا عن سؤال واحد بعد لأي وتقريب وتفهيم وترقيع وتوضيح وتبيين وتسفير وتجلية وتلميح وتصريح هاتوا المعجم ......... 
وبعد لأيٍ وجهد وكد وتعب كأنه نذرٌ يُستخرجُ من بخيل صببتُ عليها جام نصائح وثرثرات حتى أشفقت عليها مني، وقطعتُ كلامي وأنا أرى الخرق في القربة التي كنت أنفخ فيها، وأنهيت اللقاء!
لم تنتهِ الأزمة بعد فهذان نموذجان يمكن من خلالهما رصد المستوى العام للمخاطبين، وأي بلاغة سيطابق بها الكلام مقتضى الحال في مثل هذا الحال؟!
كان مفروضَا علينا هذا الفصل أن نعرض درجات أعمال السنة أمام الطالبات وذلك لسبب وهو: اتخاذ الطالبة القرار هل تكمل المادة أو تنسحب منها، لعلها تحقق طموحها في المرات القادمة! ولكن هيهات العقيق ومن به! وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ بدأ تهاطل الرسائل على إيميلي من كل حدب وصوب، وخرجت الثعابين من جحورها، حتى تعرفت على طالبات لم أتشرف بهن إلا وقت التحضير!
منهن من تسأل عن كل شاردة ووارة في الدرجات، ومنهن من تتسافه وتتظلم، وتدعي أني بخستُها حقها، وواحدة تستجدي رفع الدرجات، وأخرى تقترح عليّ طريقة أخرى في حساب الدرجات، ورئيسات المجموعات ينقلن لي اقتراحات، ومظلوميات، ثم تعاظم الأمر حتى بلغني أن إحداهن اشتكت عليّ وأني ضيعتُ درجاتها، وفي خضم تلك الشكوى نقلت رسائل زميلاتها في صور كان من ضمنها صاحبة الدنس والتوهم التي بدأتُ بها الشكاية تقول فيها: والله إنها يوم تناقشني ما تدري عن الدنيا بس بستر عليه! والحقيقة لولا أنها سترت عليّ لكنتُ في خبر كان!
فصار إظهار الدرجة وبالا علينا كالنار ما نخمدها في طرف إلا واشتعلت في آخر، وأشدهن على قلبي وقعا تلك التي رُصدت لها الدرجة 79 من 80 فكانت تتزلف لي وتستجدي تلك الدرجة، وكأنها عطية! ومن الظريف أني كنت أرد على من تقول: أعطيتيني كذا وكذا، أقول لها لم أعطك شيئا إنما هي درجاتك أحصيتها لك، وهذا جهدك وبمعونة ومساعدات فارضي بما قُسم لك! وهكذا حتى صارت الدرجات توازي الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون!
وابتُليتُ بإحداهن لم تجد وسيلة في التفاهم معي إلا أن تذهب لرئيستي وتقول لها إنها لا ترغب في الاختبار وإنها تريد مضاعفة الدرجة، وإنني وإنني، ثم بعد هذه الشكوى المشحونة بالفِرى التي من ضمنها أني أتيت لهم بأسئلة من خارج الكتاب، جاءتني على البريد وأرسلت تعترض على الاختبار وأنها تريد مضاعفة الدرجة، قلت لها وأنا أكظم غيظي: ولا يهمك لك ما أردتِ، وضوعفت درجتها ولم تختبر.
وأخرى تحاول إغرائي بمعسول الكلام، وتستغل موسم شهر رمضان المبارك لتستدر عاطفتي وكرمي (لأن الدرجات صدقات) فتقول لي: نحن على مشارف رمضان، شهر كريم وأنت كريمة ونحن نستاهل! لا والله وإني لكريمة بنت كرام! ولكنكم لا تستأهلون!
وجاء المعذرون وكان لهم نصيبٌ من هذه المعركة، منهن من تطلب تمرينًا أو نشاطا تقوم به فتعفي آثار إهمالها السيئة، وتمسح عار معدلها بطيبتي وتسامحي واستدرار رحمتي! ولا حول ولا قوة إلا بالله! 
ولم أزل أعالج أمواج المعترضات والمستفسرات، والمتهمات حتى صفا الجوّ أوائل شهر رمضان وهدأت الأصوات، فكأن الشهر أضفى عليهن شيئا من الهدوء، أو لربما شغلتهن الامتحانات والتكليفات، ثم حان موعد اختبارهن، وتصافينا باختبار تحسيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق