الأربعاء، يونيو 19، 2019

دخلت الجامعة فتعلمت الكسل

صورة ذات صلة

لا أريد أن أكون من الناس الذين يجعلون كل ما هو ماض جميلا، وما عداه من الحديث فقبيح، وهذه شنشنة عرفناها من قوم حولنا، يظلون يحكون ماضيهم وكأنه منزل من السماء، ثم يقارنونه بحاضرنا الذي يجعلونه كالقطعة من جهنم!
ولكن قد يكون لدي شيء من الحق عندما أتحدث عن صرامة الدراسة في الماضي مقابل مياعتها في حاضرنا، وبعض المبالغات في تهويل تكاثر المعلومات على الطالب والبحث عن الوسائل المساعدة لفهمه وكأنه دابة لا عقل له أو تفكير، فلم يبق إلا أن توضع له المعلومات على طبق، ونُلقمه إياها بالملعقة!
ولا أريد أن أكون من ذوي (كنا) وإن كان موضوع المقارنة بين دراستنا ودراستهم محفزا لكنتُ وأخواتها بشدة! ولكننا حقا كنا نتعلم في المدارس بطريقة صارمة وجادة، فالكتاب معنا من الجلدة إلى الجلدة، والمواد متولدة متكاثرة، ليست مدموجة ولا مجموعة، ولو كان بوسعي أن أسرد ما كانت معلماتنا جزاهن الله خيرا يقلنه ويفعلنه في الفصل والمدرسة، وكيف كنّ يحرصن على كل نقطة في الكتاب المدرسي لسردته، ولكن الذاكرة المثقوبة لا تعين على خوض غمار كهذه!
تجاوزت المرحلة الدراسية العامة وتخرجت بمعدل عال وتقدير ممتاز بفضل الله جل وعلا، وأنا أشعر بمدى الفخر والإنجاز، وكيف كان لكل درجة لي في تلك المدرسة أثرها البالغ الذي يفاضل بين مرتبة وأخرى، وكيف كنت أتعلم من أخطائي، وأعرف منتهى قدراتي وما يناسبني وما لا يناسبني، وعندما جاء دور الجامعة ظننتُ أن العبء سيزداد، وتلك الصرامة ستتضاعف، وسأكون في بحر لا ساحل له من العلم والمعرفة، حتى ظننت أن المناهج مفتوحة ومتروكة لتميز الأستاذ وإبداعه، وكدت أن أصل إلى يقين بضرورة الحرص أكثر والاجتهاد والمثابرة، فإن كانت تلك مراحل دراسية فهذه مرحلة جامعية، أكون فيها مسؤولة عن نفسي، أختار من أشاء وأدرس بطريقة تليق بعمري، وقدراتي، كنت أتخيل لسذاجتي أن الطالبات في الجامعة يمشين وفي أيديهن الكتب، ويحتسين كوب القهوة في كافتيريا الجامعة وبجانب إحداهن كتابا مفضلا أو رواية جديدة، أو مجلة هادفة، لتقضية وقت فراغها بما ينفعها، كنت أظن أن الطالبات جادات، وأن حياتهن الجامعية مملوءة بالمفاجآت المعلوماتية والعلاقات المبنية على الثقافة وتبادل المعرفة، ولكني وجدت النقائض والعجائب، ولم أجد تلك الصورة الذهنية، ولا ذلك النموذج، أتعرفون ماذا وجدت؟
وجدت الكتب وأمهاتها قد اتخذت مسار التخفيف وعمليات التكميم فصارت هزيلة يسمونها مذكرة، ووجدتُ طالبات الجامعة غايةُ الغالبية منهن مكافأة نهاية الشهرالتي لم أكن أحصل عليها رغم تفوقي وانتظامي، وغاية مجموعة منهن آخر صيحات الموضة وتسريحات الشعر والمكياج، وهناك منطقة سوداء أسمع عنها ولكني بفضل الله لم أرها، وهي قطعا موجودة، الخلاصة أني وجدتُ كل شيء إلا الذي تصورته...
تجاوزت تلك المرحلة بعد أن نال مني الكسل ما شاء أن ينال، وتدربت بشكل جيد على مجالسة المذكرات والعزوف عن الكتب، وكان من أنجح تلك المحاولات أن لم نعد نبحث عن المعلومة في الكتاب بل صار هناك مخلوق جديد دخل حياتنا دخولا كاسحا، ألا وهو الأنترنت متمثلا في عمنا قوقل، فزادنا كسلا إلى كسلنا، لا أنكر أنه نعمة من نعم الله الذي من بها علينا، ولكن النعم إذا لم نحسن استخدامها كانت وبالا علينا، وزاد الأمر سوءا في مرحلة الماجستير بعض الدكاترة الذين يسيرون بحرفية ويخشون من تعدد الآراء فيما يجوز تعدد الآراء فيه، إلا دكتورين نضر الله وجههما وأدركهما برحمته ومنه وكرمه، فقد كانا يبحثان فينا عن مواطن التميز ويشجعان فينا الخروج عن النسق مع التقويم والتوجيه.
والطالب في الجامعة لا يستطيع الصدح بآرائه كلها، فهو بين مطرقة الدرجات وسنديان نقمة الأستاذ، ولا يزال كذلك حتى ينغرس في أرض التلقين التي حاول الفرار منها فلم يقع إلا فيها، وصار كالببغاء يردد آراء قد لا يفهمها فضلا عن أن يؤمن بها.
أنى لطالب كهذا أن يفكر ويفتش عن الرأي الأصوب من الصواب، وأنى له أن يكتشف الحقيقة وأن يجمع بين الآراء ويفاضل بينها ويدس في جنباتها رأيه، أو يحاول التوفيق بين المتنافرات، أو يتفهم مقصد فلان عندما شرح كذا، وما يرمي إليه الآخر عندما قال كذا، بل كيف يستطيع البوح وعلى رأسه مشرفٌ ينطلق من منطق فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".
أوّل تلك الخطوات التي تحاول فيها أن تخلع جلبابهم بسلوك ما ترجو أن تنبت فيه زرعًا جديدا لا تختاره بملء إرادتك، بل كما يطلبه الموقعون، عدا أنك محظوظ إذا لم تُسرق آراؤك المرفوضة وتراها في بحث ترقية كتبه أحد أولئك الذين رفضوا موضوعك، لأنك صغير عليه، وهو أليق به!
كل تلك التغيرات والمفارقة التي حصلت بعد التخرج جعلتني أكثر كسلا وأميل إلى الراحة والنوم مني إلى المثابرة والجد، وإلى الله أشكو حالي 💔💔

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق