وأنا أرتب أوراقي لأتخلص من أكوامها وجدتُ هذه الورقة في إحدى المفكرات، ويبدو لي أنها المهمات التي كنت أريد إنجازها ذلك اليوم، وبغض النظر عن وسع الأهداف وكونها غير دقيقة وذلك لأن المسكوت عنه معلوم في الذهن بغض النظر عن هذا كله استوقفتني كلمة: (الرسالة) تلك الكلمة المخيفة التي كانت تشبه الشبح الذي يطاردك وينغص عليك حياتك!
الرسالة التي كنت أحشر أنفها في كل ورقة مهمات، وكل رحلة مرادة وكل نشاط يطلب مني، الرسالة التي أصبحت أغسل وأكنس وأطبخ بكل استمتاع من أجل الهروب منها وحقا تعلمت الكثير وقتها 😁😂😂
في فترة كتابة الرسالة لم أقصر على نفسي بشيء فقد سجلت في الدورات المتاحة، والتحقت بدورة كوني قائدة وكانت ممتدة لستة أشهر، وكان شبح الرسالة يطاردني على أفواه المحبين والفضوليين على حد سواء! وكانت النصائح تأتيني بلا طلب: اكتبي واخلصي!
أبهذه البساطة! وأردد على عادة المتشائمين: الكلام سهل، لأجد لنفسي العذر وأنفذ بجلدي من وخزات الضمير الذي لا يقصر في القصاص مني على كل لحظة أفوتها دون الاهتمام بالرسالة..
فجأة قررتُ أن أغير المصطلح وصرت أسمي الرسالة باسمها الحقيقي (بحث)، وكلمة بحث على عظم شأنها تبقى تحت السيطرة لأنها تمر على القلب هينة لينة لتكررها فيما سبق من المراحل رغم قلة اهتمام الجامعة بالبحث في مرحلة البكلوريويس ، المهم أن كلمة بحث غيرت طريقة تعاملي مع المهمة، واكب هذا الحدث حدث آخر فظيع، وهو رسالة من مشرفي يتأكد فيها أنني ما زلت على قيد الحياة 😂😂
هنا بدأت أحزم أموري وأرتب قراراتي وأبحث عن المشكلة التي جعلتني أتهرب من تنفيذ خطتي البحثية، فإذا هي الخطة نفسها المشكلة والمعضلة، قررتُ تغييرها لتصبح منطقية على الأقل، وعدلتُ فيها بعض الأمور بحيث لا تفسد الترتيب بشكل عام، ثم قررتُ على إثر ذلك أن ألغي أي برنامج يعيقني عن إتمام "بحثي" فكانت المفاجأة أن دعيتُ للمشاركة في الإشراف في صيف جنة بنات في مركز المهاجرات، فاحترتُ أيما حيرة ثم قلت ينتهي الصيف وأبدأ العمل 😅
وفعلا حرمتُ على نفسي حضور الدورات أو تقديمها قبل أن أصل لحل مُرضٍ مع بحثي، بدأ ذلك من شهر محرم عام 1438هـ وكنت أضع المؤقت على 4 ساعات يوميا وأترك نفسي بين الأوراق وأمام جهاز الكمبيوتر، وقتها كنت أشعر أن عقلي يتفتح، وأن الكون حولي يستنير، ولم أفتر عن الدعوات بتمام الإنجاز فكنت أرى الهبات الإلهية والتسهيلات الربانية في كل خطوة أخطوها في بحثي، وكنت أرسل لمشرفي ما أنجزه ولكنه كان يشير علي بالمتابعة دون أن يذكر لي رأيه، إنما يعطيني إشارات عامة دون تصحيح أو قراءة جادة، حتى أتى شهر رجب من العام نفسه ووجدتُ أني قد جمعت كل ما فتح الله لي بكتابته واكتملت لي ما يفوق 300 صفحة وذكرت ذلك لمشرفي فرحب وطلب مني طباعتها وإرسالها له كي يقرأها لي فبادرت وطبعتها ووصلت إليه يوم 20 من الشهر نفسه، واتصلت به بعد يومين لأسأله عن مستوى البحث فإذا هو قد أخذ لي إذن طباعة ولم يقرأ الرسالة 😭 ووعدني بأن يفعل ذلك لاحقا💔
كان عام 1438هـ آخر عام لدراستي النظامية التي لم آخذ خلالها تأجيلا أو تمديدا أو اعتذارا، ثم بقيت أنتظر التصويبات والملحوظات حتى شهر شوال! في أحد صباحات شوال، وتحديدا في الساعة 8 صباحا أيقظني اتصال المشرف، وقتها لم أكن أنوي الرد، وبدل أن أن أصمت الجوال ضغطت زر الرفض 😣 فاضطررت للقيام والاتصال، فأخذ المشرف يعطيني الملحوظات والاقتراحات، وأنا أسمعها بأذن النائم، وأغلق الخط وقد فهمت أنه يريد أن آخذ نسختي بتصويباته، أرسلت أخي ليأخذها، وكان فيها ملحوظات لو صوبت من أول الأمر لتلافيتها، مثل طريقة التهميش بتقديم رقم الصفحة على معلومات الكتاب، وهذا ما صعب علي مهمة التعديل!
انتهى الأمر وسلمت الرسالة شهر صفر من عام 1439هـ، وعُينت لجنة المناقشة، وحددت المناقشة شهر ربيع الثاني من العام نفسه والحمد لله، أصبح ذلك الشبح الذي كان يطاردني نجاحًا، والأمر الذي كان يقلقني ارتياحا، وتم الأمر ولله الحمد وأشرقت النهايات بنار البدايات 💗💗💗
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق