
وجدتُ دفاترًا فيها كلامُ
وعمرٌ مرَّ أفلته الـــخطـامُ
زمانٌ كنتُ أحسبه بقيا
فمرَّ كما يمر بيَ الـــغـمامُ
وأحداثٌ مررنَ وصاحباتٌ
مضين ولم يكنّ كما يـرامُ
تركنَ العهدَ والأيمان حنثًا
وفــاز بنـأيهن المستــهـامُ
وما زالت بي الأحلامُ تلهو
وبعض الأمنياتِ ولا ألامُ
وجدتُ دفترا أودعت بين صفحاته سطورا كنتُ أحاور فيها صديقتي (صفيّة) التي كانت تحمّسني للكتابة، ويبدو لي أنها كانت ردا على رسالة منها تظن أنني حانقة عليها ومتضايقة من ترددها عليّ في المعهد الذي كنا فيه معا، كانت ترى نفسها ثقيلة، وترى علامات الاستفهام في وجوه صاحباتي لأنني كنت في السنة الثانية وكانت هي في السنة الأولى، وأنا لستُ ممن يهتم للفارق العمري في الصداقة بل إنني كنت في عمر العشرين أصاحب من هنّ أكبر مني بعشر سنوات أو عشرين سنة بحكم عملي معلمة في التحفيظ، وأظن أن صفية كانت في سني ولكنها التحقت بالمعهد بعدي، وكانت لصداقاتي تلك عائد كبير علي بالفائدة، فقد كنت أرى الدنيا بعين الحكمة أحيانا، وأحيانا أراني أكثر حكمة ورضا ممن يكبرنني 😁 واستفدت الآن وأنا أمرّ بعمر التي تكبرني بعشر سنوات وأتذكر كلماتها التي كانت تقولها لي ومعاناتها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإني أذكر صاحبتي التي كانت في عمر 41 عاما، وكانت تقول عندما تسأل عن عمرها: عمري 14 وتعكس بين أصبعيها وهي تضحك 😂 كانت هذه الصاحبة حكيمة وطيبة وكان لها من الأبناء ثلاثة وابنتين، أتذكر أسماء أبنائها (أروى وعبد الرحمن وطارق وإلياس) ونسيت اسم الابنة الأخرى أظنها نسيبة، ولها علي جميل لا أنساه، فقد كانت تصاحبني في مشوار التحفيظ، حيث كنا نحتاج سائقا لقضائه، وكنا نركب سيارة الأجرة أحيانا، وكانت أحيانا تأتي من مسكنها الذي يكون في حي قريب من حيي، وتمرني ثم نعود من الطريق الذي أتت منه كي نصل معا، وهي التي لا ترى غضاضة في الركوب وحدها لأنها امرأة كبيرة ومتزوجة، فكانت تعدني كابنة لها وتمر بي وأحيانا تتكلف فتمر بي في الجامعة ونركب من هناك سيارة أجرة أخرى لنصل إلى التحفيظ، كان ذلك في آخر عام لي في التدريس في التحفيظ ثم تركته لأتفرغ لدراسة الماجستير.
وكم كانت تلك المرأة عظيمة لمواقف أشعر بها ولا أطيق الحديث عنها، وكم أتوق للقائها، ولكن كيف السبيل؟ فهي الآن في المغرب، خرجت من مكة مكرهة، أسأل الله أن يعيدها لها وهي سالمة غانمة وليتها إن قرأت كلامي تسعدني باتصال فإني أحبها.
كانت معرفتي بهذه المرأة متأخرة فقد التحقت بالتحفيظ في آخر سنتين لي فيه، ولكن معرفتي بصفية كانت أقدم، كانت تحب القراءة، وملامح الدهشة تملأ وجهها حين يدهشها شيء، فهي لا تتورع عن إبداء شعورها، صفية علمتني الكثير من المعاني، كنا نلتقي في الصباح الباكر قبل أن تبدأ الحصة الأولى على طاولات المقصف، كنت أجلس على الكرسي المتكئ على الجدار، وكانت تقول لي: أنت تجلسين في هذا المكان لأنك تشعرين مع الجدار بالأمان، أنت تحبين السند! ولم أكن أعلم أن لهذه الكلمة امتداد في نفسها، فقد التحقت بالجامعة في قابل أيامها ودرست علم النفس بعد أن كانت تجهر وتُسر بحب البلاغة.
أيامٌ خلون ولها في نفسي ذكراها العميقة، لم أنس كتابك يا صفية 😂إن كنت تقرئين كلامي، كتاب إشارات على الطريق للشيخ علي عبد الخالق القرني، فقد أعرتنيه، وحين تأخرتُ في إعادته وهبتِنيه فاشتريت أخويه من تلك السلسلة وما أزال أحتفظ به 😍.
حين جئت إلى صفية بردي وكان في دفتر، ألحقتُ به قصة نسجتها، والقصة حقيقة مؤلمة الأحداث عجيبة لا أعلم من أين لفقت أحداثها! فقامت صفية بنقدها وكتبت بخطها وقلمها (الأثير) وخطها الجميل نقدا وجدته بين هذه الصفحات!
لقد جلست اليوم لأجمع المتفرق في دفاتري القديمة وأحرقها، كيف لي أن أحرقها الآن وقد وجدتُ فيها عمرا تداعت علي ذكرياته حين وجدت هذا الدفتر وكيف لي أن أتخلص منه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق