الاثنين، يونيو 25، 2018

مواقف الحياة

نتيجة بحث الصور عن مواقف أليمة


ما أكثر المواقف التي تمر بنا وتستحق التسجيل، لكننا نتراجع عن إيداعها السطور، لأن ودائع السطور ذائعة، ولأن في المواقف من نحبه، ولا نحبُّ أن يقرأ ويقيس الكلام عليه فيجده مناسبا تماما!
عمومًا سأجترئ على كتابة هذا الموقف بالذات لأنه ترك في نفسي أثرا غريبًا، وجعلني أنظر مرة أخرى في وجه هذه الحياة! ولعلي أكون قد بالغتُ في النظر لهذا الأمر، وأعطيته فوق ما يستحق.
حفظنا من قديم العهد قول الشاعر:
إن الفتى من قال ها أنا ذا *** ليس الفتى من قال كان أبي
والفتوّة صفة حمدٍ، فإذا قال العربُ ذلك الفتى فهم يعنون أنه قد بلغ من الشجاعة والمكانة مبلغا، ولذلك لما قالت ليلى الأخيلية في الثناء على الحجاج:
غلام إذا هز القناة ثناها
لم يرتح لهذا المدح وعده انتقاصا، وأراد أن تنعته بالفتى ..
عموما ليس هذا هو وجهة الحديث، وليس إلا استطرادا.

رأيتُ فتاة من اللواتي يقلن (ها أنا ذا)، ولا تحب أن تستظلّ بالثناء على والدتها، وكانت إذا تحدثت ظهرت عليها مخايل الثقافة والوعي والاطلاع، وأنا لا أزداد بها في كل مرة إلا إعجابا، وفي آخر اليوم، تعرفت على اسمها، وأثنيت عليها، وانتهى اليوم!
لما حان موعد اللقاء الثاني، تأخرت هذه الفتاة قليلا، وكانت صديقتها التي أعرفها مسبقا موجودة، سألتها أين زميلتك، قالت: آتية في الطريق إلينا، أتعلمين هذه ابنة فلانة. قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله! لكنها لا تشبهها، وانتهى الحديث عند هذه النقطة.
وفي اليوم الأخير من ذلك اللقاء، الذي كان من المفترض أن يصنع وعيا، التفت إليّ صاحبتنا وأخذت تحدثني عن أنها سألت والدتها التي تعرفني، وأنها عبرت عن فرحتها بتلاقي ابنتها معنا وأثنت علينا، في أثناء الحديث كانت إحدى الأخوات تستمع، وكانت منعوتة بالخير مع من ذكرتهم تلك لوالدتها، ثم عقبت صاحبتنا: أمي تكون فلانة الفلاني، ذكرت ذلك من باب تعريفنا لا من باب الإدلال بها كما بدا لي والله أعلم!
فما كان من المستمعة إلا أن انتفضت، واهتزت، وقبلت صاحبتنا في خدها ثم أخذت تعاتبها على أنها لم تخبرنا بهذا السر المهم من ذي قبل، وكيف لها أن تجالسنا وهي تكتم ذلك من مدة!
ثم دعت صديقاتها، وأخذت تقول لهن: تخيلوا من تكون هذه؟! فإذا بهن يفكرن، وهي تستخدم وسائل تقريب حتى عرفنها وصرخن بصوت واحد ثم سلمن عليها، وأنا أنظر بتعجب إلى هذا الحشد الهائل من المشاعر الغريبة التي لا تستحق كل هذا، وكأنها نطقت بمعجزة أو جاءت بما لم يأت به الأوائل!
الحقيقة أن هذا التصرف ساءني من حيث لم يحتسبوا، وجعلني أعيد النظر مرة أخرى في نوعية العلاقات عند من ينبغي منهن الوعي، فالفتاة هذه تشارك وتتحدث من اليوم الأول، وتداخل بمعلومات قيمة وكلام دال على التمكن، لكن لم يلتفت لها أحد، ولم يعول أحد عليها حتى عرفوا أمها، لماذا لا نعرف قيمة الأشياء إلا بمن تنتمي إليه؟ ولماذا لا نكرم صاحب العقل لعقله لا لقرابته ومعارفه؟! ولماذا لا نحتفي بالمفكر والمتألق والعاقل الذي يتحرك بوعي ويتحدث بوعي دون أن ننظر إلى تاريخه القبلي ونسبه العلي وجنسيته؟
لماذا لا نستطيع الفهم الصحيح والحكم الصحيح، ونحاول عملا بما يتطلبه الوعي أن نصارع فكرة الفخر بمن لم يقدم شيئا، ونفخر به لأنه قريب لفلان من الناس؟!
عندما أشاهد مثل هذا الاحتفاء اللا مسوغ، والذي تجاوز حده، أنظر مرة أخرى في واقع المجتمع وبمن أصبح يحتفي؟!
والحقيقة أن فكرة الاحتفاء بفلان لأنه قريب لفلان الذي نحبه ونحترمه يمكن بلعها في ظل ما نشاهده من إعلاء لمن لا يستحق اليوم والاحتفاء بمن لم يقدموا شيئا! إلا المعاصي ومخالفة أوامر الله جهارا نهارا، تحت اسم الشهرة، وفي إطار الموهبة أو العالمية أو أو أو!!
يبقى فخرُ أولئك بصاحبتنا أهون لأن المسألة آلت إلى ما هو أقبح حالا، وكما قيل:
يقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق