الثلاثاء، نوفمبر 08، 2016

بلابل الثلاثين...


نتيجة بحث الصور عن العمر

لستُ قلقة بما فيه الكفاية
وهذا مؤشّرٌ خطير ينم عن روح متبلدة نوعا ما
أنا التي كنتُ أقلق على فوات ما لم أصنع لم أعد أحفل بشيء، وهذا تقدّمٌ واضحٌ في العمر والخبرة والحياة وربما اكتفاء من الخيبات ...
كيف لا وقد غردت بلابل الثلاثين على أغصانِ شجرة العمر، التي أسأل الله أن تكون مثمرة!

تقول لي صديقتي: يا أبرار احسبي عمرك بالميلادي، هذا سيعطيكِ العمر الأليق، الناسُ تحسُبُ أعمارها بالميلاديّ، لماذا تصرين على حساب عمرك بالهجري؟
ولا ألوم صديقتي في تشبثها بآخر غصن يحميها من هوّة الثلاثين التي تكادُ تسقطُ فيها قبل أن تكتمل أحلامها، لا ألومها في أنها تريد أن تكون عشرينية حتى آخر رمق.
 ولن أحاول أن أجاري النساء بكلماتهن المعتادة: "أبدو أصغر من عمري" ، "من يراني يظنني أصغر من عمري بخمس سنوات" تماشيا مع السن المثالي للنساء (٢٥عاما)،
 أبدا فهذه كلمة تستفزُّني كثيرا، عندما يقولها الإنسان عن نفسه. أفضل أن أترك ذلك للآخرين، وأفضّل أن يعطيني الآخرون سنّي المقدر فأنا ابنةُ (٣٠) ربيعا، ولن أستنكف من رقم يحملُ عمري.
ما تزال أختي حتى الآن تعابثني بأن تزيد في عمري عامين أو ثلاثة ظنا منها أن ذلك يغيضني، لأنه يجعلني أبدو بمظهر أكبر، غير أنها لم تفهم فكرة أني أتضايق ممن ينقصون عمري كما أتضايق ممن يزيدونه و ليس للتكبير والتصغير أي دور في ذلك!
جيلي الصاعد الكريم الذي رافقني خطوات حياتي منذُ سجل التطعيمات الذي تشاركنا فترته في الذهاب محمولين على الأيدي روحة ورجعة، ثم أنبت الله أسناننا معا، مرورا بتوعكاتنا الصحية المرافقة لذلك، جيلي الذي مشى معي خطوات حياتي الأولى إذ كان كل منا يسقط في منزله بعد محاولات عديدة للوقوف والمشي بالاتكاء على الجدران والوسائد المستندة للجدار، جيلي الذي رافقني في ترديد صوتٍ لا أنساهُ ما حييتُ في الطابور الصباحيّ وبترتيل موحّد: " بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" وليتني أستطيع إدراج صوتي وأنا أحاكي ذلك الترتيل الطفولي، ليس الذي دار في عقولكم الآن، بل هو ترتيل آخر لا يشبه ما تعرفونه، صوتٌ ينبعثُ من آخر فتاة في الطابور فيتجاوبُ مع أول فتاة، في قلوب بيضاء .
ما أزال أحب جيلي الذي يشاركني الآن هذه الانتقالة الخطيرة من عقد إلى عقد، الجيل الذي ردد معي: (قَ - رَ - أَ) قَرَأَ ، (كَ- تَ- بَ) كتبَ، ذلك الذي شاركني الطريق للمدرسة روحة وجيئة، أبي كان يرافقني رحمة الله عليه وأصواتُ أجهزة التكييف التي كانت تتعمّد إغاظتي بصوتها المحبب الذي يزيدني حبا في العودة إلى الفراش الذي لم أنجح في محاولاتي الحثيثة للعودة إليه.
أبي كان يستيقظ معنا صباحًا لا لشيء إلا ليؤدي مسؤوليته الأبوية، ويقبض يدي اليمنى بيده اليسرى، ويد أختي اليسرى بيده اليمنى ويسير في طريق لا يتجاوز المترات حتى يطمئن إلى وصولنا بالسلامة، ثم يعودُ ليكمل نضاله في توفير حياة كريمة لنا.
أمي التي كانت تقوم بتلقائية يومية بالاستيقاظ قبلنا، وتهيئة شؤوننا، تلف لي الخبز بالجبنة وتضع لي عصير الكاكاو بالحليب الذي كنتُ أحبه وما زلت، وتفعل مثل ذلك مع أختي، ثم تودع جيبينا المصروف اليومي وتودع قلوبنا حبا ورحمة ورأفة أكثر من ذلك المصروف.
 كنتُ أحسد أمي على العودة للنوم مرة أخرى، ولم أكن أعلم أن نومها هذا يعني أنها فعلت من أجلنا أكثر من ساعات النوم التي كنت أغبطها علىها!
كان همي في تلك الأيام كيف أتخلص من هذه المصيبة الواقعة على رأسي التي اسمها: "مدرسة" ولم أكن أعلم أن الابتلاء الحقيقي الذي كنتُ وما زلتُ فيه هو مدرسة الحياة، كنتُ أعد نفسي بألا أدرس أي شيء بعد المرحلة الثانوية، وكنتُ أبكي ليلا وصباحا وأشهد أهل البيتِ كله من صغير وكبير على هذا البكاء والصراخ الذي يندد بإجرامية إيقاظي الصباحي لأحمل فوق ظهري كتبا أزيد فيها شخابيط يومية، وأعودُ كل يوم بطلبات جديدة، كل ذلك كان في الصف الأول والثاني الابتدائي.
لا أزال أتذكر اليوم الذي مسحت فيه أختي درسا كاملا كتبته بقلم الرصاص، ما كنا نستخدمُ الأقلام في المراحل الأولى وقامت أختي بمسح الدرس الذي كتبته ولا أدري لمه! قالت لي: خطك قبيح. ومسحت الصفحة كلها، وكنتُ أظن أن أمي ستعاقبها وتجعلها تعيدها لي، ولكنها عاقبتني أنا بأن أمرتني بالإعادة، فكتبتها بلا تشكيل فأمرتني بالتشكيل، وقد كانت كتابة صفحة واحدة بقلم الرصاص تشكل في أعراف الطفولة تحديا كبيرا يماثل صعود الجبل أو هو أشد.
هل ترى يا جيلي الصاعد الذي شاركني عامي السادس في الصف الأول الابتدائي هل ترى كيف شطت بنا الحياة، ومزاراتها، واتسعت آمادُها وأبعادها، لم أكن الوحيدة التي فُطمت من نوم الصباح هكذا فجأة بلا رياض أطفال ولا مرحلة تمهيدية وفجعتُ فجأة بسلوك طريق طويل ثمنه اثنا عشر عاما بل كنتَ معي في هذه الرحلة سواء عرفتُك رفقة أم لم أعرفك!
جيلي الذي عاشَ متناقضات الحياةِ بشتى صورها وأشكالها، عاش القديم والحديث، عاش البركة والبطء في الأيام وسرعتها، عاش انتظارات العيد، عاش العالم الصافي النقي والضجيج الذي ملأ الكون، رافق حضور أول جهاز "محمول" وعاصر الطفرة التي حصلت فجأة حتى أصبح كل الناس يمتلكون جوالات الصغار قبل الكبار.
لا أريد أن أكرر كلام الآخرين، ولكني كنتُ أريد أن أقول قصيدة تلائمُ وصولي هذا الرقم بفضل الله وحده، غير أني لم أهتدِ إليها، فعدلتُ عن الشعر إلى النثر كي أقول شيئا مما يتقلب في قلبي..
وغيرتُ الخط، لأني ظننتُ أني سأضحك كثيرا هنا والخط يعطي الضحكة الممتدة فخامة ههههههه
 غير أن الشجن أوهى عزم ضحكي :(
ما يزال لدي كلام كثير وذكريات أكثر، ذكريات طفولية بحتة تتلخص في حيائي من أمي عندما تحضر إلى المدرسة، أستحي منها كثيرا وهي تراني على الكرسي برفقة الزميلات هههههههههه حالة نفسية :) ، وذكريات صوتها الذي أغالب عبرتي عندما أسمعه عبر الهاتف (دمعت والله) وذكرياتُ الأشياء التي أحاول دفنها في اللا شعور فتبقى متربعة في الذكريات السوداء ..
والقصص كثيرة والمقام ضيق والوقت يدركني وورائي الكثير والمرء ما عاش عاملا .. قبل أن أختم أحب أن أقول بأني لا ألوم زهيرا أبدا عندما قال:
سئمت تكاليف الحياةِ ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأمِ
فمن سئم تكاليف الحياة وعمره أقل من الثمانين ماذا يقول لمن بلغ الثمانين وهو في ذلك الزمان الذي يتطاول ليله حتى يقول القائل لن ينقضي هذا الليل، أو يخيل إليه أن نجومه بكل مغار الفتل شدَّت بيذبل، أو كأن الثرايا علقت في مصامها ، بأمراس كتان إلى صم جندلِ، وليس كزماننا يتفارط فيه الليل والنهار سرعة واستباقا... وفي آخر كلامي أعيد ما قاله النابغة: فعد عما ترى إذ لا ارتجاعَ له...
أحاول أن أعدي عما أرى ولأقم للنوم الآن تصبحون على خير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق