الثلاثاء، سبتمبر 27، 2016

وداعا سناب شات !

 نتيجة بحث الصور عن سناب شات

يُقضـى على المرء في أيــام محنتِهِ 
حتى يرى حسنا ما ليس بالحسنِ* 

في ظل الهجمة التقنية الشرسة على حياة الناس وخصوصياتهم حاول أن تقف بعيدا عن مربع المشكلة ، وفكر خارج الإطار كما يقولون ، تخيل نفسك وأنت تلهث كالكلب المسعور من أجل التقاط صورة مناسبة ، وتحسس مقدار ثقلك وأذيتك حين تمنع الناس من الأكل وقد تضوّرت نفوسهم جوعا  حتى تنتهي من التقاط صورة مناسبة ، اسمع صوتك وأنت تقول بصوت مجلجل : "استنوا استنوا استنوا .. ما صورت سناب بصوّر" !
تخيل نفسك وأنت تدخل بيت إنسان لا يؤيّد تصوير ممتلكاته وعرضها على حسابك وكأنها في حراج لترويج السلع ! وضع نفسك مكانه وتأمل ماذا يمكن أن تقول في نفسك عن سوء أدبك ، واعتدائك على ما لا يحق لك !
حاول أن تستوعب مقدار الجريمة التي تصنعُها حينما تصور طفلا صغيرا أعجبك جماله وهو ليس ابنك ، ولا من أقاربك ولم تستأذن أهله " ممكن آخذ صورة ؟ " بل كان كل جهدك أنك صوّرته ونشرته في القائمة ، بل حتى ابنك قد لا يحب أن تظهر صورته وقد صادفت من أطفال العائلة من لا يقبل أن يكون معروضا على شاشة سناب شات حينما كانوا أعقل مني .
بعد هذا كله ما أزال أجد من يدافع عن سناب شات بضراوة غريبة ، ويتهمني بـ (ثقالة الدم ) وأني تغيرتُ ولم أعد كما أنا ، وإن كنت حقا تغيرت فيالسعادتي فلقد وجدتُ أني أصبحتُ أفضل لأني رفضت أن أنساق مع الناس حيثما انساقوا ، وللعلم أنا فتاة وشابة وأهوى التجديد وأحب مشاركة لحظاتي مع أحبابي وصديقاتي وأقاربي ، فلست بعجوز أو دقة قديمة كما يقال ولا شخصية انطوائية أو منحازة عن المجتمع أو منعزلة ، وهواي يميل  إلى أن أواكب الناس في هذا البرنامج وغيره ، ولكن عقلي يتأبى عليّ أن أنفذ كل ما يصبو إليه هواي .
ولنتأمل جميعا الحال وكيف آل إلى ما آل إليه ، وكيف يمكننا أن نعالج الصورة المقيتة التي وصلنا إليها ، حينما يولي الناسُ فرارا من هذه البرامج السخيفة ولا يهدرون وقتهم وجهدهم ومالهم من أجلها هل سيبقى أحد يلهثُ خلفها ويحاول أن يصور كل تحركاته وسكناته ؟
صورة كوب القهوة التي توضع مع حبة الشوكلا ويكتب فوقها : " ونروّق "
صورة الستائر المنزلية المتدلية على شباك المنزل ومكتوب عليها : " صباح الخير "
صورة وجبة الإفطار و مكتوب عليها : " صباح الخير بتوقيتي " في نحر الظهيرة !
صورة البجامة الجديدة وقت النوم ومكتوب عليها " تصبحون على خير "
زخم الحياة وصخبها ، السوق والملاهي ، السفر واللعب ، أنواع الطعام ولكل صورة كلمة 
أخبروني ماذا سأجني من هذا كله كمتابعة لك أختي الفاضلة ! و أخي الفاضل ؟
أخبروني أيّ ثراء سأجده في ذلك ؟! وكيف سأتبادل معك الفائدة ؟!

الصديقة التي تصور نفسها وهي ترقص على الملأ في حكاياتي ماذا تريد من ذلك ؟! أن نعرف أنها سعيدة وفي قمة الفرح ؟ أو أن نقيّم رقصها ونضع لها الدرجة المناسبة !
الإنسانة الـ....... التي صورت لي نفسها بقطعة " شورت " إلى منتصف الفخذ وصورت الكاميرا من الأسفل ماذا تريدين ؟! وحينما ألغيتها راسلتني على الخاص لأنه مفتوح لأعرف الناس وأضيفهم أرسلت لي صورا لها خليعة ماذا تريد مني ؟ هل تريدني أن أفعل مثلها ؟!  أم أبلغ عنها أم أنصحها أم ماذا بالضبط ؟! 

الصديقة التي صورت هدية من زوجها لها وأرسلتها لي على الخاص مرفقة بالدعاء له ، كان من الأفضل أن تكتب العبارة الأنسب " شوفوا زوجي جاب لي هدية "
السفيهة التي صورت فاتورة الطعام التي تربو على ١٠٠٠ ريال باعتبار أنها منظر جمالي!

الأفراح والليالي الملاح التي يصورها بعضهم ، والكاميرا مسلطة على مواطئ القدم أو القدم أحيانا مع ظهور أجزاء من الجسد في بعضها ، ما المعنى من هذا كله ؟! تريدين أن نعرف أنك حضرت حفلة زواج ؟! طيب عرفنا ذلك من فيديو واحد فلماذا تكررين التصوير بما يزيد عن ٣ د ؟! 

مشكلة سناب شات أنه يسمح بتصوير أي شيء وكل شيء و إذا لم تكن مصفاة الإنسان بيده ضاع وضل وهو يلاحق كل قبيح وجهه حسن ! 

وكم سبب سناب شات على وجه الخصوص مشاكل عائلية ولعل بعض من يقرؤني الآن يتذكر تلك المشكلة التي ما زال يعاني منها حتى الآن !
 من ذلك أن سناب شات ناقل مباشر للأخبار و كاشف مخلص للأسرار ، ولربما كان الكبار لا يتابعون بعضهم فيظنون أنهم في مأمن غير أنهم نسوا أن صغارهم يمتلكون أجهزة تحمل هذا البرنامج ولهم حساباتهم ومن خلالها تم تناقل الخبر البنت تخبر أمها والأم تعلم وتحنق وتبدأ المواجهة والمجابهات النسائية : ليش ما قلتِ لنا ؟! وقد تقصر وقد تطول هذه المشاكل .


قد يقول بعضهم لم توضع البرامج هذه للفائدة والجد في الحياة بل وضعت للتصرفات الطبعية والضحك واللعب والتسلية وساعة وساعة !
أقول إنها لم تعد ساعة وساعة بل أصبح هو الساعة غالبا ، كما أن أرض الله واسعة ومنافذ التسالي شتى لم تنحصر في شاشة ضيقة أصور نفسي فيها وأرسلها لخلق الله ليتأملوني ويسبحون الله من جمالي ! ثم إن حياة المسلم الحق ينبغي أن يكون جانب الجد فيها غالب على اللعب والتسالي والمرح ، هذا وإني أؤكد أني لم أشعر بانتقاص عن التسلية والمرح أثناء الفترة التي استغنيت فيها عن هذا البرنامج ، بل لقد زادت تسليتي واستمتاعي باللحظة لأني لم أعد مهووسة بتصوير كل لحظة تمر علي فتبخس الجمال اللحظي حقه لأجل أن يستمتع الناس على حساب بخسي!
كذلك في سناب شات أمر عجيب وهو أنك تتسلى على فراغ الآخرين كما قال الشيخ بن حميد وغيره ! وكم يحزنني أننا تعودنا وللأسف أن نعيش على بقايا الآخرين ! مخلفاتهم أدواتهم اختراعاتهم فيما لا ينكره إلا مكابر ، فهلا تركنا حياتنا وفراغنا-إذا سلمنا بأنه فراغ- لنستهلكه بطريقتنا لا على فراغ الآخرين ؟!

هذا إذا تجاوزنا كل مظاهر الرياء التي تحصل عليه عند إظهار أعمال كان يجب أن تُستر ولا تُعلن كالعمرة ، والصدقات ، وغيرها ، وهذا أمر خطير والكلام عنده يطول .

بقيت همسة صغيرة في أذن من يقولون أنت تختار من تتابعهم وهنا يكمن الفرق ، أقول لهم : هذا تفكير جيد وطريقة طيبة لكن هذه الفوائد موجودة بسناب أو بغيره من البرامج ، أقرب مثال لذلك اليوتيوب ، مع العلم أنك في سناب شات مسير لا مخير فيما تسمعه من الفوائد والنكات فهم يختارون وعلي أن أستقبل ما يقولونه ، أفلا يكون الأجدر بي أن أقرأ و أسمع ما أريد لا ما يريده الآخرون ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق