الجمعة، أغسطس 05، 2016

أسماء لا تحمل معانيها !



.
.

في المرحلة المتوسطة وبالتحديد في الصف الثالث المتوسط ، كان عندنا حصة اسمها المُغيّب : " حصةُ  المكتبة " واسمها المعروف الحاضر : " حصة فراغ " ، وفعلا ظلت وضلت كذلك حتى تخرجت من الثانوية .

من الصعوبة بمكان أن تترك الطلاب دون أن توجههم دون أن تغرس فيهم حب القراءة ، لقد كنا في فقر شديد إلى معرفة مكانة الكتاب ، كان الكتاب عندي يعني الكتاب المدرسيّ ، ولم أكن أدري بل لم أفكر فيمن ألف هذا الكتاب أو جمع معلوماته غير أني كنت أفتخر بعبارة : " يوزّع مجانا ولا يباع " !

القرآن الكريم كان اسمه في مخيلتي (قرآنا) فقط بل حتى كلمة ( الكتاب ) إطلاقا على القرآن الكريم لم تكن لتأخذ قدسيتها في ذاتي إلا إذا ارتبطت به وأشرت إليه أو قرأت سورة البقرة في شهر رمضان المبارك واستفتحت آياتها بقول الله : "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "، و لم ألاحظ رغم كثرة ترديدنا لحديث : " من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له " لم ألاحظ أن المسمى واحدًا و إن اختلفت المضامين اختلافا شاسعا .

كانت قصة ( اقرأ ) و آية ( اقرأ ) مربوطة في ذهني بجبريل عليه السلام وهو يغطّ النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له : (اقرأ ) فيرد عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قائلا : " ما أنا بقارئ " ، هذا كل ما في الأمر أما ما وراء هذه الكلمة من أبعاد و ما ترمز إليه من معان لم تكن حاضرة في ذهني ، لم يعلمني إياها والداي ، كان جُل اهتمام أبي شهادتي الشهرية التي يوقع عليها باسمه ، وكان يثني عليّ في كل تفوق أحرزه ، و كانت والدتي تثيرُ انتباهي إلى الكتابة وحسن التعبير لأنها كانت تمتلك هذه الموهبة ، أما الدفع والحض على القراءة فلم يكن موجودا ، ولا ألومهما فلم تكن ثقافة القراءة سائدة آنذاك ، ولكن كان على المدرسة أن تلفت عناية طلابها إلى مثل هذا الأمر .

المعلمات الكريمات كُن ملتزمات بما يرد في الكتاب حرفيًّا ، وربما كان هذا السبب الذي جعلني أركن إلى اللقم الخفيفة التي كانوا يلقموننا إياها من صبيحة اليوم حتى العشي ، إلا ما كان من معلمة كانت تملينا الكثير من الكتابات دون أن تشرح لنا أنه ينبغي علينا أن نعود إلى مراجع أخرى و أن نمحّص ما نأخذ ، وأن نعرف أن الدنيا أوسع بكثير من ضيقِ كتاب واحد اسمه الكتاب المدرسي ، وكانت في آخر العام تحذف معنا كل إضافة أضافتها و تلزمنا بالرضوخ لمعلومات الكتاب و " كأنك يا أبا زيد ما غزيت " !

في مرحلة الابتدائية والمتوسطة كانوا يلقنوننا بعض المواد الأدبية التي أسموها دون أن يشرحوا لنا معنى أساميها كان اسم مادة التعبير في المرحلة الابتدائية ( التعبير ) ثم فجأة صار اسمها في المرحلة المتوسطة بعد بعض التطورات التي أجروها في المدارس وبعد تحول مادة التعبير والإملاء إلى مواد للتقييم المستمر غيروا اسم المادة إلى (الإنشاء ) ولم يشرحوا لنا معنى الإنشاء ، وكفتني فتنة الفرح بالأشياء الجديدة والمعنى الذي يشبه الوجبة السريعة البحث عما يقف خلفها من معان ، و في المرحلة الابتدائية كذلك درسنا مادة ( المحفوظات ) وبقي اسمها كذلك وكانت المعلمة تقول لنا : احفظوا هذه الأبيات ، كلمة الأبيات إضافة مني لتحسين الجو ، وإلا فقد كانت تقول لنا هذي حفظ ، ونحن نهز رؤوسنا موافقة ورضا دون أي اعتراض ونعود للبيت نكررها ، ونحن لا نعلم أن هذا شعرٌ ، وأنه مؤلف من شاعر ، وأن هناك الكثير مثله والأجمل ، بالضبط وضعنا محزن ، والأكثر حزنا أننا حين كبرنا قليلا وانتقلنا للمرحلة المتوسطة غيروا التسمية من محفوظات إلى نصوص وصار للمادة كتاب مستقل فأخذتني فتنة الشيء الجديد ولم أتفهم معنى النصوص كما ينبغي
إلا بمعناها السريع كالوجبات السريعة التي تسمن ولا تغني من جوع !

نعود إلى حصة المكتبة والمكتبة المدرسية التي لم تؤد دورها فيَّ على الإطلاق ، وأكاد أجزم أنها لم تؤدّ دورها في جيلي أيضا إلا من قام لهذه المكتبة بحقها ، هذه المكتبة التي دخلناها مرة في المرحلة المتوسطة لولا هذه المرة لم أكن لأعلم بوجودها ، المهم أننا دخلنا المكتبة اضطرارا لنأخذ فيها درسا ما ، أو لعلها كانت حصة فراغ من الحصص التي فقدت اسمها الرسمي إلى اسمها الواقعي ، فهتفت معلمة من معلمات المدرسة من عند الباب بصوت تحذيري : لا تلمسن أي كتاب من الكتب ، في الكتب كهرباء والتماس ، فأيما فتاة أمسكت كتابا فإنها ستتكهرب !

ومنذ تلك اللحظة وأنا أضحك عليها وعلى نفسي كيف استطاعت أن تصل لهذه الحيلة الغبية ؟ كيف كذبت علينا ونسيت أن الكتب مصنوعة من ورق وأن الورق لا يوصل التيار الكهربائي وأن الورق ربما احترق قبل أن يكهرب يد لامسه ، تبا للكذب و من يتخذه حيلة كي يسلم من عبث الصغار .

أشعر أني ثرثرتُ على رؤوسكم كثيرا ، وقلتُ أكثر مما يجب ، و راجعتُ تجاربي الطفلة التي كبرت حتى غدت سيدة السطور ، لكني أتمنى أن تُحدث كلماتي هذه صدى يعالج طرفا من الذي كان أو يكون مواسيا لمن مرّوا بما مررتُ به .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق