
أحلامُنا التي تتبدد كل يوم
أمنياتنا التي تقفُ الموانعُ حواجزَ دونها
ضحكاتُنا التي تبادلناها سوية
لغتنا التي نتشدّقُ بها كل يوم
أسماؤنا المشتركة
وشطائرنا التي كنا نقتسمها أوّل دقيقتين في الفسحة
أنا وأنتِ
لسنا أكذوبة تتلوها السنين ، ولسنا أسطورة صاغتها الجدّاتُ لتسلم من ثرثرات الصغار وعبثهم الزائد
كنتِ تقولين : سأصبحُ طبيبة تملأ الدنيا عافية !
وكنتُ أقول : سأصبُح معلمة تملأ الدنيا علما وثقافة !
وكبرنا معا لم تتعثر خطانا وكأن الطريقَ أمامنا يشُقُّ نفسه ويتفرعُ .
ولدنا هُنا نشأنا هنا طُبع على قلوبنا حب الأرض وصار من يرانا يعرف أنا ننسبُ إلى هذه الأرض
نحن لا نرى أننا في المنفى بل نرى أننا في الوطن ، ونرى الذي نُعزى إليه وننسب
المنفى والغربة
كنتُ أتعجبُ كما كنتِ تتعجبين في كل مرّة تطرقُ فيها الإداريّة الرعناء باب الفصلِ وتنادي بصوتٍ مشمئز وبطريقة المتقذر:
فلانة ، و فلانة ، انتهت إقاماتُكنَّ احضرن النسخة المجددة مع الأصل لنطابقها ونحتفظ بها !
فتدير الزميلاتُ رؤوسهن نحونا وكأننا قدمنا من كوكب المريخ تلك اللحظة وينقسمن إلى شطرين ، شطرٌ مشفقٌ حدوبٌ ، وشطرٌ يشارك الإدارية الاشمئزاز ثم يردفُه بسؤال تعجب : أنتِ أجنبيّة ؟!
أجرعُ غصّة وأبتلع ريقي بصعوبة وتلتمع في عينيّ دمعة المحزون ، وأجيب : نعم ، لكني لستُ أجنبية كما تظنين أنا يمنية!
أجرعُ غصّة وأبتلع ريقي بصعوبة وتلتمع في عينيّ دمعة المحزون ، وأجيب : نعم ، لكني لستُ أجنبية كما تظنين أنا يمنية!
ربما كانت هذه الغصة هي الأولى لكنها لم تكن الغصة الأخيرة ففي المرة التي قرأتُ فيها لافتة لاستقبال المشاركات في مسابقة تُعنى بالكتابة الأدبية سارعتُ إلى أغلى نصٍّ عندي لأراهُ في مصافّ المشاركات شذّبتُه وهذّبته وانطلقتُ به إلى مشرفة الأنشطة كنتُ شغوفة بالمشاركة ، مفعمة بالفرح وما إن رأتني المشرفة حتى ابتسمت ابتسامة المحرج و قالت لي : - تريدين المشاركة في المسابقة ؟
- نعم .
- أنتِ كاتبة ممتازة وقلمك يروق لي ، لكن هل اطلعت على الشروط ؟!
- أممممم لا لم أرَ في الإعلان إشارة للشروط .
آها ، إذن تفضلي هاكِ اقرئيها وبإمكانك الجلوس على المقعد لقراءتها عزيزتي .
و إذا هنالك شرطٌ بدد كل أمل عندي كان هو أول الشروط التي وضعوها :
١- أن تكون الطالبة سعودية أو ابنة سعودية.
دار رأسي و اغرورقت عيناي بدمعٍ لا أعرف كيف أصفه ، شاهدتها وهي تنتزع المناديل من علبتها وتناولني شكرتها وحملتُ كلماتي وعدتُ إلى الفصل وقد ودعتُ فرحتي في مكتبها و صحبتني خيبة الأمل وغصة جديدة !
أتذكرين ذلك اليوم الذي قطعَ علينا فيه الدرسَ صوتُ الوكيلة التي لا تظهرُ لنا إلا عند الأخبار والطلبات والتحذيرات ، وفي المرة الوحيدة التي جاءت فيها لتقول شيئا يشبه البشرى لم يكن بالنسبة لي بشرى ، بل كان غصة أخرى ، وقفت وقالت : غدًا سنذهب بكنّ في رحلة إلى الجامعة والكليات لتتعرفن على أقسامها ومرافقها والعمادات التي تفيدكن عند تسجيلكن فيها فرشحن أنفسكن نريد عشر طالبات فقط ، و يشترط أن يكُنَّ سعوديات ،،
أصابني الحرجُ واحمرت وجنتاي وتصبّرتُ ، وهرعت البنات لترشيح أنفسهن وكانت وظيفتي يومئذ النظر وكظم الغيظ وكتم الأسى .
وكان النداء الآخر لنا نحن غير السعوديات أو الأجنبيات كما يحلو لهم أن يقولوا ! أن أحضرن هُويّاتكن ( الإقامة الأصل والصورة ، والجواز كذلك وشهادة الميلاد ) كان إلقاء الأوامر في حشد مهيبٍ عند باب الإدارة وبطريقة قذرة لمزيد من الإذلال!
تخرّجنا أنا وأنت ولم ينتهِ الذل ، و ما نزال نراجع عبارات في ذهني لا أفهمها ؛ أولها حين أرادت إحدى البنات أن تتندر بي وتسبني لم تجد إلا أن تقول لي : اسكتي يا يمنية ! أنت يمنية اسكتي !
وثانيها : تلك المعلمة التي لم تجد عبارة أكثر إشفاقا علي من قولها؛ مصيبتُك أنك أجنبيّة ...
كدتُ لأقول لها : ليست مصيبتي بل مصيبتكم أنتم أنتم الذين فرّقتمونا حتى صارت يمنيتي شيئا أجنبيا عنكم وحتى صار الفارقُ بيني وبينك ورقة تسمن وتغني من جوع !
آمنتم بالعرق المفضل والجنس المفضل حتى أصبحتم كمن قال عن نفسه : " نحن أبناء الله وأحباؤه"
استيقظتُ صباح أول عام دراسي بعد التخرج على أمل جديد في مكان لم أشأ أن أكون إحدى طالباته ولكنه كان ينتظرني كقدر جديد ، ذهبتُ إليه وحاولت الانسجام حتى تخرجتُ منه وحلم الدراسة الجامعية يراودني من آن إلى آن
في أي قسم وفي أي كلية لا يهم المهم أن أكون جامعية هذا وقد كنتُ أطمحُ أن أكون نحويّة بارعة غير أن للحياة وجوها أخرى !
قدمتُ ملفي وكان الفضل لله جل وعلا في قبولي وكان ذلك كرمًا منهم في نظرهم أن منحوني مقعدا دراسيّا وأنا لا أنكر ذلك الفضل ولستُ للجميل منكرة ولكن الجميل إذا جاء خديجا وأقل من الأمل وبطعم الذل والمنة لم يكن جميلا !
أظنك لن تنسي تلك الدكتورة التي أسرّت لي بأمرٍ وقد كانت تُنقل نظراتها بين البنات لتخطب منهن من تحلو لها واستقرت عيناها على فتاتين إحداهما تركية والأخرى سورية عرفت أن لي بهما عُلقة ومعرفة ، قالت وقد همزت بعينيها : هؤلاء البنات سعوديات ؟!
قلتُ : لا
قالت بلكنة المتعجب المحقّر : صاروا يقبلون غير السعوديات؟!!
أسررت في نفسي : من تحدثينها غير سعودية !
وجهرتُ : نعم بنسب قليلة
قالت : آها ، لأني أردتُ كذا وكذا وشرحت لي مرادها من السؤال .
ولن تنسي يوم سمعتُ فتاتين تتحاوران عن إحدى المصابات بمصيبة أنها أجنبية وقد كانت تجلسُ معهم قبل الحوار بدقائق تقول إحداهما للأخرى نعم هي يمنية ، قالت لها كيف قبلوها ؟ ولا أدري ماذا كان الرد لكني سمعتها تقول : هذا الناقص ، يعطونها مكافأة !
وحتى لا أكون ظالمة لا أدري أقالتها استكثارا واستحقارا أم تحسرا وكأنها تقول ليكملوا جميلهم ، لكن الأولى أرجح !
أتذكرين حين كنتُ أنا وأنت وما زلنا نقتسم الأوجاع كما نقتسم قطعة الخبز أول دقيقتين في الفسحة ، لقد كبرتِ أنت أيضا على حلمك الذي ذرته رياحُ معرفتك بأنك لن تقبلي في كلية الطب مهما اجتهدت !
لم تتوقف الغصص عند بوابة الطموح ، فقد غزتنا غصة جديدة ، غصة لا تشبه الغصص السابقة تمثلت في صديقة قالت لي بالحرف الواحد : يا ألله ليتك سعودية كنتُ خطبتك لأخي ! ابتسمتُ ولم أنبس ببنت شفة رغم أن الأمر جارح بالنسبة لي جارحٌ للحد الذي يجعلني أصرخُ في وجهها و وجوه الذين كانوا حولي وإن كانوا لا يعلمون سبب صراخي لكني فضلتُ ابتلاع جمرتها على أن أنفث حميمها عليها وعلى الموجودين ! لأن الأعتى في الأمر والأمر أنها لم تكن سعودية والآلم أنني لا أتمنى أخاها ولو طرفة عين وليس في قائمة أحلامي !
ولم أزل أنا وأنت
نقف خلف شرفة الأيام ، و ننتظر الأمل البعيد ، نترقب حصول المعجزة التي ستغير كل شيء
ستقضي على العنصرية ستعيد الناس إلى أصلهم الأول : ( آدم وحواء )
ليلفظوا من أفواههم قذارة العنصرية التي يعلكونها كل يوم
ليصافحوا الكون كل الكون بعين المسلم الحقيقي لا المسلم الذي يؤمن ببعض ويكفر ببعض
ليتصلوا بالله خالقهم ويعرفوا أن الخلق خلق الله والأرض أرض الله
والرزق على الله !
بعضُ الغصص في حلقي مختلقة ، أرجو ألا تتغيروا أنتم أيضا إذا عرفتُم أني لا أمتلك الورقة التي تؤهلني لأن أسمى مواطنة أنا ما زلتُ أحمل عار كوني مقيمة ! في نظركم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق