الأحد، مايو 15، 2016

الجميل القبيح :

يقوم أحد الخيرين بعد كل دم يثعبُ ويتفجر خلال الأرض المسلمة بعمل طيّب خيّر ، ويجمع المال مواساةً وترميما لما بقي من حياة في شعبٍ تهالك ثلثه ، وثلثه الثاني ينتظر البرء أو الموت وثلثه الثالث لم يسلم من الذعر والأسى والأسف !
ورغم أن دفع المال لمواساة الآخرين من أنفع الأعمال وأرجاها إلا أنني مؤخرا أصبحت آسى على هذا الحال الذي وصلنا له ، ننتظر المأساة حتى تحدث ، و نتفرج إلى أن يُهدر أكبر قدر من الدماء ، حتى إذا أشبع القاتل نهمته ، و أنزل نقمته ، هرعنا إلى الضحية مسعفين ! هو يقتل من جهة و نحن نهدر المال من جهة أخرى !
نتفاخر بالمال ونستعرض قدرتنا على الكرم ، أو نسلخ ظهور المحبين الصادقين الفقراء بحديث : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر أو الحمى " ، و نختزل المعاني السامية في هذا الحديث في قروشٍ  تعضدُ أناسا وتنأى عن آخرين !
السهرُ والحمى معروفان ومجرَّبان فهل أثر الأحداث علينا وفعلها فينا فعل الشكوى في الجسدالذي يُعقِب السهر والحمى ؟
ثم قل لي ! ماذا سيصنع مالُك بعد الأرواح الزاهقة ؟ وتهاوي الكرامة ؟ من سيداوي الجراحات الثاعبة ؟ من سعيد للطفل بسمته ؟ وحضنه الدافئ ؟
قل لي بربك ! أيَّ عضوٍ فقدوه يعيده مالكم ؟ و أي منظر بشع باشرته عيونهم يمسحه مالكم ؟ وأي عرض انتهكوه تعيدون له طهره ونقاءه بالمال، وأي تفجّعٍ تفجعوه ستهدّؤون روعه و تزيلون أساه ؟!
قل لي بربك كيف لك أن تؤمن ببعض الكتاب : " وجاهدوا بأموالهم " وتكفر ببعض " وأنفسهم في سبيل الله " ، كيف شطرت المعاني إلى نصفين ، نصف لك ، ونصفٌ لا يقوم به أحد !
تقول إنك حزنتَ ! وبكيت ! آها .. هه أحسنت ثم ماذا ؟ هل سُلخ جلدُك مثلهم ؟ هل عُرّيتَ عن كرامتك وعُبث بمقدساتك مثلهم ؟ تقول قلبي معهم وأقول لك كما قال الشاعر : وما المعنى بأن قلوبكم معنا !
قلبك معهم حين تدعو الله لهم في كل سجدة ، حين تعيد وتجددهم ذكرهم على الآذان ، وكلما تناساهم متناسٍ أعدت ذكرهم ليشاركوك الدعاء .
نقسم بالله وهو أعلم بأحوالنا أننا لن نتركهم ونحن أمام أول إغراء نذوب كما يذوب الملح ! وندّعي بالشعر والنثر أنهم مظلومون ثم نتراجع عند الصفقات المالية والشهرة المؤقتة !
أي دينٍ هذا الذي لا يجعلنا نتحرك ونتحرقُ على إخواننا ؟ وأي إيمان هذا الذي نبات عليه ونحن لا نحمل في قلوبنا هما للدفع ولو بأن نحدث قلوبنا ! و إلى متى ستظل ردود أفعالنا متأخرة ؟ عديمة القيمة قليلة النفع ،
كما قيل :
يا ويحكم يا مسلمون إلى متى
يبقى لكم
رجع الصدى وحثالة الأكواب*
ما يؤلمني أكثر و أكثر أن الدماء الرخيصة يعلو شأنها وتقوم من أجلها الدول وتنشر المقالات وتتراشق الصحف والمجلات وتقوم اللقاءات والمحاورات والمناظرات والويل ثم الويل لمن أيد تلك القتلة أو قال ولو من طرف خفي دم بدم وقاتل بقاتل ! بل إن زلزلة النفوس "الكافرة" وترويعها أصبح من نشر العنف والإرهاب في العالم  !
وأين هؤلاء من النفوس الغالية التي هي عند الله أغلى من الدنيا وما فيها بل أغلى من الكعبة وحرمتها ، النفوس المسلمة النفوس الحرة الفتية التي تحمل بين جنبيها أعظم كلمة وأغلى شهادة تحمل بين جنبيها مفتاح الجنة وتتلألأ حبا للخير أبناءُ الإسلام وفتيته ، نساؤه وأطفاله شبابه وشيبته كل تلك النفوس الفخمة المعظمة عند باريها التي صارت أهون ما يكون عند بني الإسلام أنفسهم ممن تزعزع إيمانهم فهرعوا يرضون الكافر بخيلهم ورجلهم ، ويمسحون غبار حذائه ، ولو قتلهم وشردهم وسفك دماءهم !
وهذا يذكرني بقوم فرعون الذين يقتلون أبناء بني إسرائيل ويستحيون نساءهم ، وحين قُتل رجل منهم وبالخطأ أقاموا الدنيا وأقعدوها وتداولوا أمر موسى عليه السلام حتى جاءه الناصح الأمين " اخرج إني لك من الناصحين" .
لكن الفرق أن ناصحنا الأمين اليوم يجرجر في المحاكم ويقتل ويشرد ويعنف وتلصق به أقوى التهم وأشدها وأنكاها وحسبنا الله ونعم الوكيل !

أتمنى أن نصل إلى حلول جذرية تستأصل الباطل وأهله وتقيم سيف الحق بين الناس ، ليكون الضعيف قويا حتى يؤخذ الحق له ويكون القوي ضعيفا حتى يؤخذ الحق منه ! لا أن نختزل ردات أفعالنا في جمع الأموال وتقديم المعونات فهذا ذل وربي في حقنا أن نكتفي بأمر ونولي ظهورنا لما هو أولى وأهم !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق