الجمعة، أكتوبر 13، 2017

خالة تشتري؟!

نتيجة بحث الصور عن حديقة ليل

قد لا يكون الوقتُ ملائما للحديث عن الآخرين بقدر ما هو ملائم للحديث عني أنا، ولكني مع ذلك سأتركني إلى وقتٍ لاحق كما أجلتُ من وعدتُ نفسي بالحديث عنها حتى مضى شهر أو يزيدون على تلك النظرة اليتيمة التي تخللت قلبي بكهرباءة عجيبة، شعرتُ معها بأن العالم يتعرى من المشاعر والأحاسيس، ليرضي نفسه...

كالعادة ولا شيء غريب، وهذا هو المخيف، حين تمر الأحداثُ سراعا متشابهة فاعلم أن ثمة من يضيعُ في التفاصيل، كانت دوامةُ الحياةِ تهددها بالابتلاع، وهي تصارع كل شيء لتكون على ما يرام، الجوّ الخريفي المائل للبرودة، والليل المخيم على المكان رغم فوضى الناس وعبث الأطفال حولها وإنارات الشوارع وانفراد كل عائلة بمفرش يجلبون إليه ما لذ وطاب من الطعام والألعاب، الكرة والدراجات، والسكوتر، والجوالات التي صار يُقضى أغلب الوقت معها، وهي هناك تتأملهم واحدا واحدا، تقرأ في تقاسيم الوجوهِ ما يمكنُ أن تسمّيه طِيبة، إحساسا، شيئا أضاعتْه في وجوه الآخرين!
وقفت على شفير مفرشِ عائلة من العائلات، علّمتها كبيرتُهم جملةً تشبه الاستعطاف: "تشتري خالة؟!" بنظراتٍ كسيرة تومئ إلى كومة من قماشٍ أكبر من حجمها، قد مُلئت بألوان شتى وموديلات مختلفة، قد يظفر شيء منها بنظرة إعجاب! تسير الهوينى تتهادى بين الناس، وتوزع نظراتها الكسيرة بينهم ...

وقتها كنا نتبادل حبات (الفصفص) وأكواب الشاهي، وهي تقف على شفير مفرشنا، تحاول أن ترفع صوتها لنسمعها: "خالة، خالة، تشتري؟!" لا يلتفت لها أحد، بل لم يكن ليلتفت لها أحد لولا كومة القماش التي تحملها معها، فهي ضعف حجمها ومن غيرها لا تكادُ تبين!
أعادت لهفاتها وشهقاتها ورفعت صوتها قليلا، " خالة تشتري؟!"
اشتدَّ الهواء، تهاطلت قطراتٌ من مطر، ينثنثها هواءٌ بارد، زادته برودةً حباتُ المطر المتناثرة.. 
بدأ الناس يهرعون إلى أشيائهم المتفرقة ليجمعوها طلبا للمغادرة!
وهي تقفُ على الشفير، بقلب كسير وطرف حسير، " خالة تشتري؟!"
وحباتُ (الفصفص) المتناثرة وأكواب الشاهي .. هذه الأشياء المترفة التي ربما لم تظفر بها يوما! تنظر إليها، وتردد في أعماقها: " قادرون على الشراء قادرون على الشراء" 
فيأتيها الجواب: لا يا ماما، ما نحتاج شيئا....
ينقطع أملها ، تجوب الحديقة في فوضاها العارمة تراقبُ حمل الأمتعة بعناية وقطرات المطر تلهثُ خلف جسدها المرتجف، وتنال من جوعها المتزايد، تقف بجانبها امرأة، تناولها فضلةَ طعامٍ دفيء زاد من عشائهم الليلة، اختطفت تلك الفضلة بيدين ترتجفان، واتخذت لها مجلسا على كرسي قد علته بقعة من ماء..
انطلق الناس خرجوا وخرجنا .. ثم لا يُدرى ما جرى بها بعدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق