الأحد، ديسمبر 18، 2011

عود على بدء , بشيء من الذكريات


كثيرةٌ هي المواقف التي تجبرك على تذكرها , لأنها ماثلة في عالم الذكرى كالنار على رأسِ العلم .
ومن هذه المواقف مواقفي في مدرسة الابتدائية , منها ما قصصته ومنها ما سأقصه بإذن الله ..


مع تلكَ المعلمة وفي ذات المادة العلوم , حذّرتنا مرارا وتكرارا قبل الاختبارقائلة :
إن فوائد الماء المقصود بها في مادة العلوم هي كذا وكذا , لا تأتينِّي إحداكن فتقول من بين الفوائد : النظافة , أو رد العطش , أو سقي الزرع
اكتبن الفوائد التي درسناها في المادة .

ثم وزعت أسئلة الامتحان وبدأنا على بركة الله , ووصلتُ إلى ذلك السؤال المشؤوم ( إن جاز التعبير) وأبدعتُ فيهِ أيما إبداع , حيثُ وقعتُ في المحذور , وكان أن حللنا الأسئلة سويا بعدما سلمنا أوراق الامتحان , ورفعتُ يدي عاليا بكل ثقةٍ لحل السؤال المشؤوم , ولما وقفتُ قلتُ :
النظافة .
فقالت لي : تعالى ..
وبكل براءة مثلتُ أمامها لأتلقى على خدي الناعم الطري صكةً تليقُ بجمالِ الإجابة , ثم تهمةً بأني أسأت ُ الأدب عندما أجبتها واضعةً يدي على خصري ..!!
وأن تلك َ الصكة ما كانت إلا لسوءِ أدبي , والحقيقة أنها كانت لسوءِ إجابتي لأني لا أذكر أبدا أني وضعتُ يدي على خصري .!!
ثم قالت : ألم أنبهكن على هذا السؤال ؟!
ألم أقل لكنَّ لا تكتبنَ النظافة ولا غسيل الملابس , ولا تنظيف الصحون ؟!
تقول لي ذلك وأنا في الصف الخامس ِ الابتدائي , ما زلتُ حتى الآن أذكر زاويتها التي كانت منحرفة تجاهها , والفصل الذي كنا فيه بل وحتى الأنوار الخافتة في ذلك الفصل أو "ربما كانت خافتة لأن الذكرى سيئة " .



لا أدري أيُّ قلبٍ جعلني أشاركُ مع تلك المعلمة ذاتها عندما طلبت مني ومن عدد من الزميلات أن ننشدَ إحدى الأناشيد التي كُلِّفت بالإشراف عليها ( بالطبعِ جملة كلفت بالإشراف عليها لم تكن محسوبة ً إذ ذاك ولكني عرفتها الآن ^_^ ) ..
ويبدو أنها صورت نسخا من النشيد من جيبها وعلى حسابها الخاص , فطلبت منا أن نعيدها لها مرةً أخرى بعدَ تأدية النشيد .
حافظتُ على ورقتي , حتى أعيدها لها , وتلاعبت بقية الزميلات ولم يكترثن لتحذيرها من التضييع أو طلبها الإعادة ..
ولما أتممنا جميلها , وعملنا لها معروفا , وكان النشيد حسنا , وحصلت على الثناء المطلوب , بدأت تنادي بإعادة الأوراق , وكنتُ قد أعطيتها إحداهن في اليوم الذي يسبقه , وذهبتُ لها بدافع الأمانة في داخلي , وبلغة البراءة قلتُ لها :
أبلا , الورقة التي طلبتها ضاعت مني بالأمس , مع أني حاولت ُ أن أنتبه لها حتى تصلك كما طلبتِ ..
لو كنتُ مكانها لغضضت الطرفَ وهونتُ الأمر , وسامحتُ طفلتي الصغيرة , ولكنها رفعت يدها , وأعطتني "بالقلم" كما يقول إخواننا المصريون , وقالت اذهبي وابحثي عنها .
وبالطبع بحثت فلم أجدها , ولكنني وجدتُ مكانها السباب والشتيمة من المعلمة عندما أخبرتها أني لم أجدها .
وقلتُ : يا ليتني فعلتُ كبقية البنات ماذا كان سينقصني لو صمتُّ ولم أكلمها بشأن الورقة ..! بل إني سأكون موفورة صينة .



وحتى في قاعة الامتحان نجد قسوتها حاضرة ..
نعرفُ أن للامتحانات نظام يحترم ُ الطالبات ِ المتأخرات أكثر من احترام الطالبات الحاضراتِ مبكرا , ويحتاطُ لهنَّ أكثر من احتياطهن لأنفسن , وأنا أعني قانون " الجلوس في قاعة الامتحان حتى مضيّ نصف الوقت "
وأحيانا يكون العدد مكتملا ويبقى القانون ماضيا رغم َ انتهاءِ الطالبات , ومللهن بل ونومهن على الطاولة ..
ولأنني كنتُ سعيدةَ حظٍ ذلك اليوم , انتهيتُ من حل الأسئلة في إحدى المواد غير "العلوم " باكرا , وكانت هي مراقبة القاعة , أغلقتُ ورقتي فأمرتني بفتحها أخرى , ففتحتها وقرأتها وربما حفظتُ الأسئلة بأجوبتها , ثم أغلقتها , فكررت طلبها لي بفتح الورقة , "وكأنني الوحيدة في القاعة ..! "
ثم عدت , وفجأة لم أشعر إلا بلطمة على وجهي , وكلمة مدوية  " إنتِ ليه ما تراجعي ؟! "
وأي مراجعةٍ ستكون بعدَ تلكَ اللطمة ؟!
لقد كان بحرا من دموعٍ وقَّعتُ به مع توقيعي ورقة خروجي من قاعة الامتحان .


هناك تعليق واحد:

  1. يا إلهي..أي قلب تحمل هذه المعلمة ومن على شاكلتها..!
    ضحكت من تنبيه المعلمة لكن على الإجابة..وبعدها... لم أبتسم حتى..من توالي الصفعات..ذكرى مرة..والحمد لله أنها ولت...

    برووو...سلمتِ يا غااالية..
    بوركت.
    ..سكون الليل..

    ردحذف