لستُ غائبة ولستُ بعيدة للحد الذي يجعلني صامتة هكذا..
محاولة العتمة جعلتني أبدو كأيقونة غير نشطة على شاشة الحاسوب
أكبر معظلة بالنسبة لي هي أنني لا أستطيع النوم على جرح يثعب، ولا أهدأ حتى أثرثر كثيرا فأضيع مني وأنسى في آخر الكلام أوله، فثرثرتي نزقٌ مؤقت يعتريني الندم عليه غالبا، وأطمئن إليه أحيانا.
أنا في مرحلة من الذهول لا أستطيع البوح بما في الأعماق، وفي الوقت ذاته ليس عندي الحصانة الكافية ولا الطرق السلمية لفعل ذلك!
جبانة! نعم وقد اعترفت بجبني في لافتة قريبة وهذا من الاعتراف بالحق! فإني إذ لم أدرك فضيلة الشجاعة فقد أدركت فضيلة الاعتراف بالحق، وهذا يكفي لحفظ ما تبقى من ماء في الوجه.
لم أكن غائبة واحتشاد ملفات المسودات شاهدٌ بذلك، لقد كنت أكتب كلاما كثيرا، وحين أتذكر أنه يذهب من قلبي لينطبع على شاشة تضيق كثيرا عن مساحات الكلام في قلبي حين أتذكر ذلك يتراجع القلم ويجف الحبر.
لم أكن ساكتة بالمعنى الحقيقي، ولم أكن غائبة على الإطلاق، فأنا أكتب في كل منعطفٍ وعلى قوارع الطريقِ أرقاما يعرفها قلبي كي أراجع الأرقام في كل خيبة لاحقة مهدت لها سابقتها!
كيف لي أن أتحدث بشكل طبعي وأنا أصفّقُ للقانون بحرارة، وأقف بين أندية كرة القدم على ألفِ ساقٍ وقدم، كيف لي أن أبحث عن أدوات الرفعِ وأنا بعدُ أرسفُ في أدوات النصب والجرّ!
كيف لي أن أتحدث وأنا أسمع وأفكر وأرى تطورات أحداثي وجديد حياتي ممن يظن بي أنني لا أسمع ولا أرى فضلا عن أن يظن بي أنني أفكر!
ولأنني لم أتعود على الهمز واللمز أفشلُ كثيرا في التلميح لأقع في مأزق الوضوح، ذلك المأزق الذي يتربص بي فيه الشامتون، ليتشفوا من اللا شيء.. كل ما في صدورهم حقدٌ لا سبب له إلا ما كان من حسدٍ ترعرع في جحور قلوبهم الضيقة!
وحتى أثبت لكم أنني لست غائبة أسوق لكم هذه القصة التي حصلت معي وأنا في الصف السادس الابتدائي، هذه القصة نسيتُها أمدًا وتذكرتُها البارحة ولأنني جبانة كما ذكرتُ قبل قليل فسأشفّرُ الأسماء وأطمس الهُويات...
سمية زميلة من الزميلات لا تملك المال الكافي لشراء قبعة التخرج فقد كان والدها قليل ذات اليد، أما أنا فقد أحضرتُ معي قيمتها ١٥ ريالا، وارتدت سمية قبّعة حسنة سليمة، أما أنا فقد كان نصيبي أن أرتدي القبعة التي كانت منفصلة بعد محاولة استصلاحها!
من المُلام في هذا الحدث! هل أخنُقُ سميَّة لأنها ارتدت قبّعة صحيحة تبرعت بها المدرسة لها وجعلتني أرتدي المعيبة؟ أم ألوم المدرسة لأنها ظلمتني إذ أعطتني بضاعة معيبة مقابل المبلغ المالي الذي دفعته؟!
هل أذهب لسمية وأسحب منها القبعة لأنها لم تدفع في الوقت الذي دفعت أنا فيه ولم أحصل على قبعة كقبعتها سليمة على الأقل؟
ولماذا شعرتُ وقتها في طفولتي بإحساس عدواني تجاه سمية؟! من الذي يفترض أن أحمل عليه هذا الشعور ومن أؤنبُ وأعاتب؟!
لم أكن أستطع إلا معاتبة أخف الضررين سمية زميلتي، لكنني لم أفعل أيا من ذلك، واكتفيتُ بالسكوت والحسرة.
والآن بعد مسافة شاسعة من السنوات أدركتُ أن شعوري لم يكن صحيحا مطلقا وأن الملام في ذلك هي تلك المدرّسة التي اشترت القبعات ولم تكن حريصة على سلامتها، ثم وزعتها وأعطتني المعيبة، كان يفترض أن أعترض أن أناقش أن أرفض عملية البيع والشراء الغابنة هذه، دون أن أنظر إلى أرزاق الناس الآخرين! بل إنني حين نظرتُ نظرتُ إلى هذه الضعيفة وقارنت نفسي بها، والمقارنة الصحيحة الواجبة هي أن أقارن نفسي بأمثالي الذين دفعوا وأخذوا حقهم كاملا صحيحا سليما.
من هذه القصة أدركتُ أنني لم أعد طفلة، فقد أصبحتُ أفكر بشكل أفضل من تفكير الأطفال، وقد وجدتُ من الناس من يكبر وما يزال عقله في صباه، يكبر ويطر شاربه ويشب عن الطوق لكنه يفكر بعقل أضيق من خرم الإبرة، وقلب أسود من الإسفلت.
كل هذا الحشد من الكلمات لأثبت لمدونتي ومن سيقرأ أنني لم أكن غائبة 💘😌.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق